هكذا تعلمت الرد على رسائل البريد الإلكتروني

هكذا تعلمت الرد على رسائل البريد الإلكتروني

إذا كنت تواجه عدداً لا حصر له من الرسائل الإلكترونية غير المقروءة بعد نهاية أسبوع طويلة أو إجازة صيفية، اعتبر الرد عليها لعبة من نوع ما. لعبة تصنيف المكانة.

منذ قرأت كتاب “ألعاب الرئيسيات” (Games Primates Play)، الذي صدر في عام 2012 وألفه عالم السلوكيات في جامعة شيكاغو، داريو مايستريبيري، اختلفت نظرتي لصندوق الرسائل الواردة تماماً. كتب مايستريبيري أن الرسائل الإلكترونية تحكمها قواعد التسلسل الهرمي للسلطة، الذي يُشكل محور الألعاب المبرمجين على أن نلعبها بصفتنا من الرئيسيات الاجتماعية.

الهرم الاجتماعي محور أنشطة الرئيسيات

تبذل القرود الجزء الأكبر من مجهودها في تحديد مكانتها في التسلسل الهرمي الاجتماعي؛ من يحصل على أفضل الطعام وأقران التزاوج الأكثر جاذبية، ومن يلتقط القراد من فرو من. نحن البشر أيضاً نضع التسلسل الهرمي في صميم أغلب ما نفعله، سواء في المنزل، أو العمل، أو على الإنترنت.

تبادر الكتاب إلى ذهني في الأسبوع الماضي، عندما قرأت مقالاً في صحيفة “وول ستريت جورنال” عن التراكم المخيف للرسائل الإلكترونية بعد إجازة الصيف. كان البعض يحاول تفادي طوفان الرسائل بفجاجة، كما ظهر في إحدى الردود الآلية كان نصها: “لست متواجداً في المكتب، بل أحظى بمتعة تفوق التواصل معك. الأرجح أنني سأنسي الرد على رسالتك”. 

لكن القراء لاحظوا تلقائياً تفاوت المكانة الذي يطغى على تلك الأساليب في قسم التعليقات، واشتكوا من أن مكانتهم ليست رفيعة بالقدر الكافي لتمكنهم من إرسال رد آلي جريء، أو تجاهل الطلبات الواردة عبر الرسائل الإلكترونية من الزملاء، أو العملاء، أو الزبائن.

العبء الأكبر على الطرف الأقل مكانة

في الواقع، هناك تباين في العبء والضغط عندما يخص الأمر الرسائل الإلكترونية؛ المُرسل يطلب شيئاً من المُتلقي، ومكانة المُتلقي بالنسبة إلى المُرسل تحدد إمكانية تجاهل هذا الطلب، ولأي مدة.

عادةً ما يجب على من يطلب شيئاً أن يعكف لوقت أطول على الرسالة، لأنه من الرئيسيات الأقل مكانة على الأرجح. فعندما أراسل الخبراء عبر البريد الإلكتروني لطلب إجراء حوار معهم، أمضي وقتاً أطول في صياغة عباراتي في الرسائل الموجهة إلى أساتذة الجامعة المرموقين في الأغلب، مقارنةً بزملاء ما بعد الدكتوراه المتعطشين للشهرة.

بعد رسالة ناجحة، قال لي مايستريبيري إن البريد الإلكتروني جعل التواصل مع الجميع أكثر سهولة، لذا فمن المحتوم أن يتلقى شاغلو مناصب السلطة والنفوذ طلبات مساعدة أكثر من الأقل سلطة. لذا يقع عبء إثارة الاهتمام على عاتق المُرسل. وأضاف: “هناك قدر من الاهتمام والمجهود يجب بذله في كتابة رسالة إلكترونية موجهة إلى شخص أعلى مكانة”.

ويستخدم في كتابه مثالاً من حياته اليومية؛ طلبات تلاميذه. على الرغم أن جزءاً من عمله يتمثل في تعليم هؤلاء الطلاب، ما يزال عبء إثارة اهتمامه يقع على عاتقهم، من خلال الصياغة الدقيقة ودون أخطاء إملائية. أما من جهته، فيحظى بمساحة حرية كبيرة عندما يرد عليهم، ويمكنه الرد عليهم في ثوانٍ إذا أراد.

الرسائل من الأعلى مكانة قد تنطوي على فرص

بالنسبة لي، فإن الخوف من صندوق الرسائل الواردة منبعه لوم النفس بسبب فيض من الرسائل التي ورطت فيها نفسي، من نشرات إخبارية ومنشورات منصة “سبستاك” (Substack) وأشياء أخرى تمنيت أن أجد وقتاً لقراءتها.  فالتخلص من أشياء لها قيمة محتملة أمر صعب.

إذا تبقى لديك عددٌ كبير من الرسائل الواردة الحافلة بالطلبات والالتماسات، بعد التصنيف وفق المكانة، خذ في اعتبارك أن معظمها من الرئيسيات الأقل مكانة. فلا يحتاج الشخص إلا لثوانٍ للاطلاع السريع على الطلب واتخاذ القرار في جدواه ومعقوليته من عدمها، وكتابة رد سريع.

إلا أن الأمر يتطلب مجهوداً أكبر للتعامل مع الرسائل الإلكترونية الواردة من شخص أعلى مكانة في التسلسل الهرمي، فيشير مايستريبيري إلى أن مواجهة طوفان من الرسائل الإلكترونية يرسلها لك مديرك الذي يتدخل في أدق تفاصيل العمل ولا يمكنك تجاهلها أمر مزعج، وعندها، فالمشكلة لا تكمن في صندوق الرسائل الواردة، بل في عملك.

لا تشكل الرسائل الواردة من الرئيسيات الأعلى مكانة مصدر إزعاج دوماً، بل تمثل فرصاً في بعض الأحيان. فإذا كانت تايلور سويفت هي من تطلب منك العمل لصالحها مصمماً داخلياً أو مستشاراً مالياً، فلن تمانع إذا تجاوزت رسائلها الإلكترونية الحد المعقول، لأن المكافأة ستكون كبيرة.

المرح يكمن في فهم حقيقة اللعبة

تتزايد صعوبة الرسائل الإلكترونية عندما لا تكون العلاقة المرتبطة بالمكانة واضحة، على سبيل المثال، مستشار مستقل يتعامل مع طلبات العملاء أو الزبائن، أو زميلان يحاولان حل خلاف، فمن المسؤول؟ يقول مايستريبيري إن تمتعك بقدر كبير من الانفتاح سيساعد في تلك الحالات. ثم يمكن تسوية أي خلافات تنشأ عن ذلك من خلال المتعة التي يحظى بها الأشخاص المنفتحون من التعامل مع الناس.

قد يُسبب العدد الهائل من الرسائل الإلكترونية شعوراً بالإحباط، إذ نفترض أن الرد عليها سيستغرق وقتاً أطول من المتاح لدينا. لكن المشكلة الحقيقية عادةً ما تتمثل في أن مرسليها أشخاص أقل مكانةً يطلبون وقتاً أطول مما نظن أنهم يستحقونه، فيحاولون اكتشاف ما يمكنهم الحصول عليه، وهذا جزء من اللعبة.

الخبر السار هنا أنه رغم أن الرئيسيات الأخرى عادةً ما تنشب أنيابها ومخالبها في بعضها في هذه الظروف، يمكننا استخدام طرق أخرى لحل الخلاف، مثل الفكاهة، التي تعد أداة رائعة لتخفيف حدة التوتر. كما يمكننا النظر إلى اللعبة من منظور خارجي، فلا يمكننا الانسحاب منها تماماً، والأمر يسري على كل الرئيسيات الاجتماعية، لكن لعبها سيكون أكثر مرحاً عندما ندرك حقيقتها.

باختصار

المقال يتناول فكرة الرسائل الإلكترونية من منظور “ألعاب الرئيسيات” الاجتماعية، حيث يتم تقييم العلاقات بين الأشخاص من خلال التسلسل الهرمي الاجتماعي. الكاتب يستند إلى كتاب “ألعاب الرئيسيات” لعالم السلوكيات داريو مايستريبيري، الذي يشرح أن تفاعلاتنا، بما في ذلك عبر البريد الإلكتروني، تحكمها قواعد المكانة والسلطة الاجتماعية.

في هذه اللعبة، يقوم الأشخاص الأقل مكانة ببذل جهد أكبر لجذب انتباه الأشخاص الأكثر نفوذاً أو سلطة. في المقابل، يتمتع الأشخاص ذوو المكانة الأعلى بحرية الرد بسرعة أو تجاهل الطلبات بسهولة. يوضح المقال أن التعامل مع الرسائل الإلكترونية يتطلب تصنيفاً غير واعٍ للمكانة الاجتماعية، وأن الضغط الذي نشعر به مرتبط بكيفية تقييمنا لعلاقاتنا مع الآخرين.

النصيحة الأساسية للمقال هي النظر إلى البريد الإلكتروني كجزء من لعبة اجتماعية، والتعامل معه بنوع من الوعي المرح، دون الإحساس بالضغط الكبير.

المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *