الحزب الديمقراطي الأمريكي يستعد للمعركة الرئيسية في سباق 2024 وهي الإعلام، وقد تكون تجربة بيل كلينتون ملهمة في هذا الصدد.
فبعد أيام من الأجواء الحماسية، أسدل الستار على المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الذي عليه أن يستعد الآن لمعركة الإعلام، وفقا لما ذكرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
ورغم أن الرئيس السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب يكافح لمواجهة منافسته الديمقراطية الجديدة كامالا هاريس، إلا أن حزبه متحد بشأن الاستراتيجية الإعلامية التي تتهم الخصوم الديمقراطيين بإدارة حملة هي الأكثر تطرفا ويسارية في تاريخ أمريكا.
وفي انتخابات 2020، واجه الديمقراطيون صعوبة في التعامل مع المشهد الإعلامي الجديد المتسارع والسريع وغير المفلتر، لكن الرئيس جو بايدن نجح في هزيمة ترامب في ظل تعليق الحملات التقليدية جراء ظروف وباء كوفيد19.
ومع عودة الحملات الانتخابية إلى ظروفها الطبيعية، لم تكن الأمور على ما يرام بالنسبة لبايدن الذي أنهت مناظرة تلفزيونية ترشحه، حسب تعبير الكاتب جيمس بونيوزيك بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
لكن وضع بايدن كان سيئا من قبل ظهوره على المسرح في ظل تراجعه باستطلاعات الرأي، فضلا عن الانتقادات بشأن تقدمه في العمر واتهامات الفساد التي لاحقته هو ونجله هانتر.
السر في 1992
خلال مؤتمر الحزب في شيكاغو، كانت الأجواء مفعمة بالطاقة الأمر الذي عزز وضع هاريس، إلا أن الحفاظ على هذه الطاقة يحتاج إلى ابتكار استراتيجية إعلامية فعالة تتناسب مع العصر الحالي وهو ما يتطلب النظر للوراء وتحديدا إلى عام 1992.
ففي ذلك الوقت، اكتشفت غرفة الحرب الذكية لحاكم أركنساس آنذاك بيل كلينتون كيف يمكن للديمقراطيين أن يزدهروا في عصر جديد آخر تطورت فيه وسائل الإعلام الإخبارية بدرجة كبيرة سواء من حيث الشكل والمحتوى.
ورغم أنه في أوائل التسعينيات كانت الأمور أبسط، فالبريد الإلكتروني جديد والهواتف المحمولة من الكماليات، إلا أن الحملات الانتخابية في 1992 التي وضعت كلينتون بمواجهة الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب، جرت في مشهد إعلامي مختلف.
وهذا التحول مع ظهور البرامج الإخبارية المتنوعة عبر شبكات التليفزيون أصبح يعني أن الإثارة باتت سلعة رائجة بعدما أدت الصحافة الاستقصائية التي ولدت من رحم فضيحة “ووترغيت” إلى ظهور جيل من المراسلين يبحث باستمرار عن المخالفات.
وفي الإذاعة، انفجرت البرامج مع تخلي لجنة الاتصالات الفيدرالية عن مبدأ الإنصاف في 1987، وفي مجال الإعلان وضعت حملة “صباح أمريكا” التي ساعدت الرئيس رونالد ريغان آنذاك في الفوز بولاية جديدة عام 1984 معياراً جديداً لتقنيات الإنتاج المتطورة.
فأصبحت الإعلانات التلفزيونية أشبه بالأفلام القصيرة القادرة على الإغواء والتدمير في آن واحد.
«عدوانية»
بدءًا من انتخابات عام 1980، رأى الحزب الجمهوري فرصة لتشكيل الحوار الوطني من خلال استراتيجية إعلامية عدوانية حددت الطريقة التي ينظر بها الجمهور إلى خصومه ونفسه وفي 1984، نجح فريق حملة ريغان في تحويله إلى منقذ الأمة.
وفي 1988، نظم بوش الأب واحدة من أكثر الحملات وحشية في التاريخ الحديث تحت إشراف لي أتووتر الذي هدم جميع الحواجز وأضفى طابعاً مؤسسياً على فلسفة “كل شيء مباح” ولعب على موضوعات الوطنية والقومية الدينية وردود الفعل العنصرية.
وفي 1992، كانت الدائرة الداخلية لكلينتون عازمة على عدم تكرار هذه التجارب، وحذر جيمس كارفيل الذي قاد الجهود الإعلامية موظفيه من أن الديمقراطيين بحاجة إلى تكثيف الجهود وإلا فإن المحافظين سيدمرونهم.
ومع قيادة كارفيل للطريق، تضمنت غرفة حرب كلينتون أيضًا جورج ستيفانوبولوس (الاتصالات)، وبول بيغالا (كبير الاستراتيجيين)، وستانلي غرينبيرج (استطلاعات الرأي)، وماندي غرونوالد (الإعلان).
وكانت هناك عدة مبادئ توجه فريق كارفيل مثل الاستجابة السريعة لتقديم حجج مضادة قبل أن تترسخ الادعاءات في أذهان الجمهور، وفي الوقت نفسه نشر أي معلومات تضر بالمنافسين على الفور.
وبعدما سئموا من النظرة الدفاعية التي تبناها الديمقراطيون منذ 1988، أصر فريق كلينتون على الهجوم وانتقاد نقاط ضعف بوش.
لحظة إدراك
أدرك الفريق الذي يقوده كارفيل صعوبة الحجج الطويلة والمعقدة في عصر المقاطع الصوتية القصيرة وكان هناك شعاران قويان لتوجيههم هما “التغيير مقابل المزيد من نفس الشيء” و”لا تنسوا الرعاية الصحية” وهو ما يعد مثالًا لكيفية نقل الرسالة ببساطة.
عمل الفريق أيضًا على بيع الرسالة من خلال عالم الثقافة الشعبية، والتي كانت تُرفض تقليديًا باعتبارها مهينة لكن كلينتون ظهر في برنامج أرسينيو هول وMTV، وفي مجلة People، وغيرها مع الهجوم على بوش وكأنه ثري منفصل عن الواقع مع التذكير بالأصول المتواضعة لكلينتون.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1992، فاز كلينتون بـ 370 صوتًا في المجمع الانتخابي، وبعد أربع سنوات فاز بولاية ثانية وفي عامي 2000 و2004 لم يتمكن الديمقراطيون من تكرار نجاحه قبل أن يعيد باراك أوباما ضبط استراتيجية الحملة الديمقراطية في 2008.
وقام ديفيد أكسلرود وفريقه من العاملين في حملة أوباما بتحديث نموذج كارفيل، من خلال الاستخدام الفعال لوسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وأيضا الإعلانات التليفزيونية الجيدة في تقديم وصفة للفوز.
تحديات أكبر
في 2024، توسعت تحديات الإعلام مرة أخرى حتى مع بقاء العقبات القديمة، لكن أخطر ما يواجه حملة هاريس ونائبها تيم والز هو النجاة في مواجهة التضليل والتزييف العميق والهجمات الإعلامية التي ستضربهما من كل جانب.
كما أن التدخل الأجنبي مثل القرصنة الإلكترونية التي يقول ترامب إن إيران استهدفت حملته من خلالها مؤخرا سيكون أيضا مشكلة.
وتحتاج هاريس للمنافسة فيما وصفه الكاتب عزرا كلاين في “نيويورك تايمز” بـ”مجال الاهتمام”، حيث تتحرك الأخبار بسرعة كبيرة وكذلك متابعي الأخبار.
وبالتالي، فمن الصعب الحفاظ على الانتباه كما أن الحملة الفعالية عليها اكتشاف الطريقة التي تجعل وسائل الإعلام تركز على مرشحها ورسالتها لفترة طويلة.
وحتى يوم الانتخابات، فإن هاريس ستواجه خصما أثبت فعاليته في التعامل مع وسائل الإعلام من خلال إحساس غريزي بإيقاع وديناميكيات دورات الأخبار.
كما أنه استغل العلاقة المترابطة بين وسائل التواصل الاجتماعي، والأخبار التلفزيونية والصحف على الإنترنت، وحتى البودكاست، للسيطرة على المشهد وترسيخ التصورات حول معارضيه كما تعامل مع المناظرات وكأنها برنامج واقعي.
ومؤخرا، استغل محاولة اغتياله حين ظهر والدم يقطر من أذنه وحوله عناصر الخدمة السرية وهو يلوح بقبضته مرددا “قاتلوا”، فبدا الأمر وكأنه يستطيع أن يرى كيف يبدو الحدث على شاشة التليفزيون.
وحتى الآن، نجح فريق هاريس أيضا، فنظم حملتها بشكل منهجي لتوليد الشعور الجيد والإثارة والاهتمام الإعلامي المستمر وبشكل جزئي يرجع اختيارها لوالز بسبب مهارته في هذا المجال، رغم أنه في الستين من عمره حين أعاد صياغة رسالة الحزب بكلمة واحدة “غريب”.
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية