بقلم: Amanda Mull
لحقائب اليد أهمية خاصة لدى النساء، ولا تقتصر سوق الفاخرة منها على زبائنها الأثرياء التقليديين، فهي تتمدد لتشمل معظم فئات الدخل. يمكنك أن تدير شركة بالاعتماد على إنتاج سراويل مميزة أو سترات فاخرة في معظم الأحيان، لكن عليك أن تتجه لبيع حقائب اليد أيضاً إن رغبت بزيادة إيرادات الشركة أو توسيع مكانتها.
يمكن فهم بعض جوانب الجاذبية الواسعة التي تحظى بها حقائب اليد بوضوح، حتى في أوساط من لا يعيرونها بالاً. إنها تعبر ببلاغة عن مكانة من تحملها في بعض الدوائر الاجتماعية، كما أنها لا تخضع لمتغيرات مقاسات وأشكال الجسد على عكس ملابس الترف، ويمكن للمرأة أن تستخدم حقيبتها المفضلة يومياً لو شاءت ذلك. لكن لا يدرك كثير من الناس السبب الذي يجعل بعض حقائب اليد باهظةً جداً، أو ما يجعل بعضها أغلى مما سواها.
ما يزال المنطق العجيب لتسعير السلع الفاخرة لغزاً يحيّر كثيراً من الناس غير الضالعين في قطاع الموضة. ربما لهذا السبب فاجأ القرار الصادر عن قاض اتحادي في الشهر الماضي بمنع اندماج شركتَي “كابري القابضة” (Capri Holdings) و”تابيستري” (Tapestry)، الكثيرين في عالم الأزياء.
تملك الشركتان معاً مجموعة واسعة من العلامات التجارية المتخصصة بحقائب اليد، أبرزها “كوتش” (Coach) و”كايت سبايد” (Kate Spade) و”مايكل كورس” (Michael Kors)، وهي تبيع منتجات تبلغ أسعارها بضع مئات الدولارات، وهذا يجعل موقعها في أسفل هرم أسعار السلع الفاخرة.
دلالة على المكانة الاجتماعية
أيّد القاضي موقف لجنة التجارة الفيدرالية المكلفة بمكافحة الاحتكار التي رأت أن الاندماج سيقلل من المنافسة في سوق الحقائب متوسطة السعر، ما قد يمكّن هذه العلامات من رفع الأسعار، إلى جانب إلحاق أضرار أخرى بالمستهلكين والموظفين.
في حالة معظم المنتجات، هذه مخاوف لها ما يبررها لأن الاندماجات غالباً ما تؤدي إلى رفع الأسعار وتقليل الخيارات. لكن في حالة السلع الفاخرة، سواء كانت حقائب يد أو سيارات رياضية أو نبيذاً فاخراً، لا تتبع الأسعار نفس القواعد التي تحكم السلع الاستهلاكية الأخرى، فحين تكون الحماسة التي يثيرها شراء شيء باهظ الثمن من أساسيات جاذبية منتج ما، يصبح السعر بحد ذاته جزءاً من المنتج.
بلغة الاقتصاد، نتحدث هنا عن ما تسمى “سلع فيبلين”، التي تأخذ اسمها من عالم اقتصاد من العصر الذهبي في الولايات المتحدة هو ثورستين فيبلن، وكان أول من تحدث عن الظاهرة الاستهلاكية التي تصف ارتفاع الطلب على المنتجات عند ارتفاع أسعارها، وهذا يخالف المفهوم التقليدي السائد حينها، ومفاده أن ارتفاع الأسعار يحدّ من الطلب، فيما انخفاض الأسعار يزيد الطلب. ترمز “سلع فيبلين” للمكانة الاجتماعية، وقد صُممت خصيصاً لتشكل دلالة على المستوى الاقتصادي للناس، بالتالي فإن جاذبيتها تعتمد على ارتفاع سعرها.
تقدم حقائب اليد فرصة واسعة لإبراز التصاميم المميزة ولإضافة شعار العلامات التجارية، وهذا ما يجعل التعرف عليها سهلاً، ويضعها في مصاف “سلع فيبلين” الأكثر فعالية في تاريخ الاستهلاك.
السعر يحدد الشريحة المستهدفة
لكن ليست كلّ “سلع فيبلين” ولا كلّ حقائب اليد مصممة لجذب الشريحة نفسها من المستهلكين، أو للتعبير عن المستوى المادي نفسه، ولا تستطيع جميعها أن تزيد أسعارها أو قاعدة عملائها المستهدفة بلا سقف.
إن سوق المنتجات الجلدية النسائية مُجزّأة بشدة، بحيث تغطي العلامات التجارية الكبرى جميع مستويات الأسعار التي يمكن تصنيفها بالفاخرة، بدءاً من العلامات التجارية ذات الأسعار المعقولة التي تباع مقابل بضع مئات الدولارات في أي مركز للتسوق، ووصولاً إلى حقائب “هيرميس” و”شانيل” التي تصل أسعارها إلى عشرات آلاف الدولارات.
تحمل هذه الحقائب رمزية اجتماعية مختلفة تتباين حسب الفئة السعرية، بحيث تعكس الحقائب ذات الأسعار المعقولة نسبياً الانتماء إلى طبقة وسطى ميسورة الحال أو الطموح للارتقاء من مستوى الطبقة العاملة.
وتتمتع هذه السلع بأهمية بالغة بالنسبة لقطاع الموضة، بما أنها البوابة التي يجذب عبرها قطاع الشباب الراغبين بالتباهي بين أقرانهم. أمّا الحقائب الفاخرة الأعلى سعراً فقد تدلّ على حصول المرأة أو زوجها على مكافأة سنوية مجزية العام الماضي، أو أن المرأة قادرة على امتلاك أفخر السلع بشكل عام، أو ربما أنك هدف جيد للصوص.
تستهدف كبرى العلامات التجارية المتخصصة بالحقائب المنضوية تحت مظلة شركتَي “تابيستري” و”كابري” الأميركيات العاديات ممن يرغبن بتدليل أنفسهن عبر اقتناء سلعة فاخرة.
لا تتخطى أسعار معظم حقائب “كايت سبايد” حد 400 دولار، فيما أن أسعار حقائب “كوتش” أعلى بعض الشيء، برغم أنها قد تطرح من حين إلى آخر حقائب أغلى مصنوعة من أفخر أنواع الجلود، مثل حقيبة “روغ” (Rogue) البالغ سعرها 10 آلاف دولار وهي مصنوعة من جلد التمساح، وتعرضها حالياً العلامة التجارية على موقعها الإلكتروني.
لقد دأبت “كوتش” على مثل هذه الخطوات، أقله منذ أن بدأت أتابع سوق المنتجات الجلدية في بداية العقد الثاني من الألفية، وهي تهدف من ذلك إلى تعزيز صورتها كعلامة تجارية فاخرة وليس كمسعى للانتقال نحو فئة أعلى.
نطاق السعر جزء من المنتج
لا تبدو أي من هذه الشركات راغبةً برفع أسعارها بشكل عام، حتى أن “كوتش” و”كايت سبايد” التابعتين لشركة “تابيستري” وتستهدفان الشريحة نفسها من الزبائن تقريباً، لم ترفعا أسعارهما بما يكفي لتنسجم مع التضخم، وذلك منذ استحوذت “كوتش” على “كايت سبايد” في 2017. (غيرت الشركة اسمها إلى “تابيستري” بعد بضعة أشهر من إبرام الصفقة).
عدم إقدامهما على رفع الأسعار طبيعي جداً، فلو فعلتا، لعنى ذلك أنهما لا تدركان ما تبيعانه ولا الفئة التي تستهدفانها. في هرمية الحقائب الفاخرة، الأفق ليس مفتوحاً، بل ترسم حدودك العلامة التجارية الأعلى منك مباشرة من حيث السعر ومن حيث مكانتها في نظر المستهلكين. إن الانتقال بعلامة أزياء إلى مستوى أعلى تحد صعب جداً، سيضطرك للتخلي عن فئة واسعة من زبائنك الذين لن يستطيعوا دفع الأسعار المرتفعة، فيما سيترتب عليك إقناع الفئة الأغنى بأن منتجك يضاهي منتجات أغلى ثمناً لطالما اعتبروها أفضل.
ينطبق ذلك أيضاً على العلامات التجارية التي تستهدف فئات أثرى مما تستهدفه العلامات التجارية ذات الأسعار المعقولة. فلا تستطيع علامة “لوي فيتون” مثلاً أن ترفع أسعارها أكثر من “شانيل”، فيما لا تستطيع “شانيل” أن ترفع أسعارها أكثر من “هيرميس”. وفي قمة السوق، هامش تفاوت الأسعار أكبر بكثير، إذ يبلغ آلاف الدولارات وليس بضع مئات فقط. كانت هذه العلامات التجارية قد رفعت في السنوات الماضية أسعارها بقدر أعلى بكثير مقارنةً بنظيراتها في أسفل الهرم.
لا يترك موقع كلّ من “كوتش” و”كايت سبايد” و”مايكل كورس” في السوق لها هامشاً قدره آلاف لترفع أسعارها.
يبدو إذاً أن هيئة التجارة الفيدرالية لا تستوعب أن ما تبيعه هذه الشركات منذ عقود ليس مجرد حقائب، بل حقائب سعرها يتراوح بالضبط بين 200 و600 دولار. إن نطاق السعر هذا، وما يعنيه بالنسبة لمن يدفعونه، هو جزء من المنتج الذي تقدمه هذه الشركات وأهميته تماثل أهمية ذلك المنتج المصنوع من الجلد.
المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق