رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يجد نفسه متهما بمحاولة عرقلة اتفاق غزة عبر إعلان تمسكه بالسيطرة على محور فيلادلفيا.
و«محور فيلادلفيا» هو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب الاتفاقية الموقعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979، ومنذ اندلاع حرب غزة بات نقطة أزمة بين القاهرة وتل أبيب، خاصة بعد احتلاله من جانب الجيش الإسرائيلي في مايو/أيار الماضي مع الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وترفض حركة “حماس” ومصر بقاء إسرائيل فيه.
اتهام نتنياهو جاء هذه المرة من اثنين من كبار القادة العسكريين التاريخيين في إسرائيل، الأول وهو رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع الأسبق بيني غانتس، والثاني هو رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق غادي آيزنكوت.
وما يزيد من صعوبة وطأة الاتهام بالنسبة لنتنياهو، هو أن غانتس وآيزنكوت كانا حتى ما قبل شهرين فقط عضوين في حكومة الحرب الإسرائيلية منذ إنشائها بعد أسبوعين على اندلاع النزاع.
وقال غانتس في مؤتمر صحفي متهما نتنياهو بعرقلة التوصل لاتفاق: “لم يفاجئني ذلك، لأنه خلال الوقت الذي جلسنا فيه في مجلس الوزراء الحربي، أرجأ نتنياهو القدرة على المضي قدمًا في صفقات الرهائن بشكل متسلسل، بما في ذلك الاقتراح الأول”.
وأضاف: “في بداية الحرب، تردد نتنياهو وتراجع عن المطالبة بتوسيع العمليات العسكرية إلى خان يونس ورفح، كما رفض اقتراحًا بديلًا بشأن قضية ممر فيلادلفيا”.
وتابع: “نحن نقف هنا أمامكم لنقول الحقيقة: يجب إعادة الرهائن حتى ولو بثمن باهظ للغاية.. ممر فيلادلفيا ليس التهديد الوجودي لدولة إسرائيل”.
وشدد على أن “السيطرة على ممر فيلادلفيا مهمة ضد التهريب، لكن نتنياهو يعرف أن أبراج المراقبة وحدها هي مرمى نيران مقاتلينا ولا توقف الأنفاق”.
وبحسب غانتس، فإن “نتنياهو يعرف أن هناك خطة تروج لها المؤسسة الأمنية لإغلاق الأنفاق تحت الأرض، وهي الحل الحقيقي للممر، لكن نتنياهو لا يروج لها.. ولا يلتقي بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ولا يصمم حلاً لمعبر رفح الذي تمر منه المواد ذات الاستخدام المزدوج”.
وبلهجة مشحونة بالتحذير، قال: “إذا لم يكن قوياً بما يكفي لتحمل الضغوط الدولية، فليضع المفاتيح ويعود إلى منزله”.
وكرر آيزنكوت ذات الأقوال، لينضم الاثنان بذلك إلى موقف وزير الدفاع يوآف غالانت الذي يطالب بإبرام اتفاق حتى لو كان الثمن انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا.
ولكن مكتب نتنياهو رد بغضب على تصريحات غانتس وآيزنكوت وقال: “من لا يساهم في النصر وعودة رهائننا، فالأجدر به ألا يتدخل”.
«كفى غش»
عائلات الرهائن الإسرائيليين هاجمت نتنياهو وقالت في بيان: “لم يعد بإمكان رئيس الوزراء الادعاء بأنه لا يخطط وأنه لا يفشل في الصفقة”.
وأضافت: “كفى من الغش والهجر. كفى كذبًا على الجمهور وكفى لفيلادلفيا. وإلى متى سيُقتل الرهائن في الأسر بينما يلعب نتنياهو بالخرائط والرأي العام؟”.
وتابعت: “على رئيس الوزراء أن يخرج إلى العلن بإعلان واحد فقط: تم الاتفاق على الخطوط العريضة لعودة المختطفين. جميع المختطفين الـ 101، الأحياء لإعادة التأهيل والضحايا والقتلى للدفن”.
وبحسب البيان نفسه: “لم يعد شعب إسرائيل مهتمًا بسماع التلاعب. وخرج أكثر من نصف مليون مواطن إسرائيلي إلى الشوارع هذا الأسبوع للتظاهر ومطالبة الحكومة بالتوقيع على اتفاق الآن. هذه هي الحقيقة الوحيدة والحصرية: مواطنو إسرائيل يريدون عودة المختطفين لوطنهم”.
وكان آلاف الإسرائيليين عادوا إلى الشوارع في تل أبيب مساء الثلاثاء لمطالبة الحكومة بالتوصل إلى اتفاق.
واحتشدوا بالشوارع وهم يرددون “الاتفاق الآن”، فيما رفعوا صور الرهائن والأعلام الإسرائيلية.
تحذير عسكري
وأصدر الجيش الإسرائيلي تحذيرا للمستوى السياسي. مفاده بأنه بدون اتفاق، فإن أي عملية برية واسعة النطاق ستعرض حياة المختطفين للخطر.
وقال موقع “واينت” الإخباري الإسرائيلي: “بعد ثلاثة أيام من إعدام المخطوفين الستة في نفق في رفح، أوضح الجيش للقيادة السياسية أن أي عملية برية واسعة النطاق في قطاع غزة – بما في ذلك بالمخيمات المركزية أو في شمال قطاع غزة – ستعرض حياة المخطوفين للخطر”.
ونقل الموقع عن مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي قوله: “سيتعين على الحكومة أن تقرر ما إذا كانت تتحمل المسؤولية عن حياتهم”.
وأشار إلى أن “هذا التحذير القاسي يأتي على خلفية الصدمة والمظاهرات الواسعة النطاق في أعقاب مقتل 6 رهائن الأسبوع الماضي”.
وقال: “تجدر الإشارة إلى أن إصرار نتنياهو على بقاء الجيش الإسرائيلي في المحور هو إحدى العقبات الرئيسية في طريق التوصل لاتفاق”.
وأضاف: “لقد أوضحت مؤسسة الدفاع أنه من الممكن الانسحاب من المحور مؤقتا للمرحلة الأولى من الصفقة، لكن نتنياهو يدعي أنه لا يصدق هذه الوعود وأنه إذا انسحبت إسرائيل، فسوف تمارس عليها ضغوط دولية شديدة لمنع العودة “.
وقال مصدر مطلع على تفاصيل المفاوضات لشبكة “سي إن إن”، إن الوسطاء كانوا يحاولون دفع صفقة – وأن “نتنياهو نسف كل شيء بخطاب واحد”.
بالمرحلة الثانية؟
قبل أسبوعين، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن نتنياهو يوافق على الانسحاب من محور فيلادلفيا في المرحلة الثانية من الاتفاق.
ومساء الثلاثاء، نقلت هيئة البث عن “مسؤول إسرائيلي رفيع قوله للوسطاء بالأيام الأخيرة، إن إسرائيل توافق على الانسحاب من محور فيلادلفيا في المرحلة الثانية من صفقة إطلاق سراح المخطوفين”.
وأضافت: “قيلت هذه الكلمات على الرغم من حديث نتنياهو، والذي بموجبه أن المحور يحدد مستقبلنا بأكمله”.
ولكنها أشارت إلى أن مكتب نتنياهو علق على ذلك بالقول: “ليس مطلوبا من مجلس الوزراء بعد مناقشة أي جزء من المرحلة الثانية من الصفقة”.
ووفقا لتقديرات معلقين إسرائيليين، فإن نتنياهو معني بتطبيق المرحلة الأولى فقط من الاتفاق والتي سيتم في إطارها إطلاق أكثر من 30 رهينة إسرائيلي ومن ثم يعود إلى الحرب، ولذلك فهو ليس معنيا بالانسحاب من محور فيلادلفيا بالمرحلة الأولى.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي قوله، مساء الثلاثاء، إن “الموقف الإسرائيلي يتضمن الإصرار على التواجد في محور فيلادلفيا بالمرحلة الأولى من الصفقة، بما في ذلك خفض القوات، والانسحاب من المحور في المرحلة الثانية”.
الحكم العسكري
القناة الإخبارية 12 الإسرائيلية ربطت بين تمسك نتنياهو بمحور فيلادلفيا وقراره السري للجيش بالاستعداد للتعامل مع مسألة توزيع المساعدات الإنسانية على السكان في غزة بدلا من المؤسسات الدولية.
وقالت: “أوعز رئيس الوزراء نتنياهو إلى الجيش الإسرائيلي بالاستعداد لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة بدلا من المنظمات الدولية”.
وأضافت: “في ضوء هذا التوجيه، من الممكن أن يؤدي إصرار نتنياهو الليلة الماضية في المؤتمر الصحفي على وجود عسكري إسرائيلي على طريق فيلادلفيا إلى الخطة الحقيقية لإسرائيل في غزة – الحكم العسكري”.
وأشارت إلى أن “الجيش الإسرائيلي يخطط لتوزيع المساعدات الإنسانية على المستويين اللوجستي والعملياتي، وكذلك ترتيب المعركة التي سيتعامل معها”.
وقالت: “في المناقشات الأخيرة، عارض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي هذا التوجيه، مدعيا أنه يعرض قواتنا للخطر دون داع، وبالتالي يجب على الجيش عدم المشاركة في المساعدات، ولهذا الغرض هناك منظمات دولية”.
و”بالإضافة إلى ذلك، فإن السيطرة العسكرية على طريق فيلادلفيا تثير قضية في القانون الدولي، لأن السيطرة على الطريق هي في الواقع مسؤولية قطاع غزة، وهذا له أهمية كبيرة”.
ووفق المصدر نفسه، “تقدر مؤسسة الدفاع أن الحكم العسكري في قطاع غزة سيكلف حوالي 40 مليار شيكل سنويا (11 مليار دولار أمريكي)”.
ولم ينف الجيش الإسرائيلي هذا التقرير كما لم يؤكده وقال: “سنتمسك بكل قرار للقيادة السياسية، نحن لا نتحدث ولا نستبعد المناقشات أو التفاصيل من المناقشات المغلقة”.
مقترح جديد؟
وقالت هيئة البث الإسرائيلي إن “الوسطاء يعتزمون نشر الخطوط العريضة لحل وسط، على الأرجح من قبل الرئيس (الأمريكي) جو بايدن، بحلول يوم الجمعة”.
وأضافت: “ولهذا السبب توجه رئيس الموساد دافيد برنياع إلى الدوحة أمس، ومن المحتمل أن تستمر المحادثات هناك في الأيام المقبلة”.
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية