أثارت قضية راتب حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، الذي تم توقيفه عن منصبه وواجه اتهامات باختلاس أموال البنك المركزي، اهتماما واسعا خلال الساعات القليلة الماضية.
وتم إدراج قضية رياض سلامة ضمن قضايا الفساد والثراء غير المشروع، مما زاد من الجدل حول راتبه في لبنان.
وتحولت مسيرة سلامة، من “منقذ مالي” و”رمز للاستقرار الاقتصادي” إلى متهم بالفساد والاختلاس على المستويين المحلي والدولي.
- أوروبا تجني ثمار أوليمبياد باريس.. انتعاشة مؤقتة وتباطؤ وشيك للنشاط التجاري
- استخراج الذهب من الأجهزة الإلكترونية.. اكتشف سر الصنعة في أفغانستان
وقضى سلامة 30 عاماً في قمة السلطة المالية، قبل أن يصبح خلف القضبان.
راتب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة
توقف رياض سلامة عن العمل في يوليو/ تموز 2023، لكن الأزمات القانونية والاتهامات لا تزال تحيط به.
تولى سلامة منصبه منذ عام 1993 واستمر فيه حتى يوليو/ تموز 2023، وقد أثار راتبه جدلاً واسعاً بين المواطنين على الرغم من عدم الإعلان عنه رسمياً.
وتشير مصادر متعددة إلى أن راتب سلامة كان يتجاوز الحد المعروف لهذا المنصب، حيث يُعتقد أنه كان يتراوح بين 30000 و50000 دولار شهريا. ويعد ذلك مبلغًا كبيرًا مقارنة بنظرائه في دول أخرى، مما زاد من حدة النقاشات حوله.
ورغم أن رياض سلامة يُعد من أقدم محافظي البنوك المركزية في العالم، إلا أنه واجه العديد من الاتهامات، مثل الاختلاس وتبييض الأموال، حيث تم اتهامه بسرقة مئات الملايين من الدولارات من البنك المركزي وتبييض الأموال في الخارج، ولا تزال التحقيقات جارية في هذه القضايا.
وقرر النائب العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، الثلاثاء، توقيف سلامة بعد استجوابه لمدة تقارب الثلاث ساعات حول “شبهات اختلاس من مصرف لبنان”. وتناول التحقيق ملف شركة “أوبتيموم”، المتخصصة في تقديم خدمات الوساطة المالية.
وأوضح الحجار أن التوقيف هو احتجاز احترازي لمدة أربعة أيام، سيتم بعدها إحالة سلامة إلى قاضي التحقيق لاتخاذ القرار المناسب بشأنه.
وذكرت وكالة رويترز أن سلامة سيبقى رهن الاحتجاز حتى موعد جلسة الاستماع المتوقعة الأسبوع المقبل، حيث يمكن للقاضي أن يقرر ما إذا كان سيستمر احتجازه أم لا.
وعلى مدار السنوات الماضية، كان يُعتبر سلامة ركيزة النظام المالي اللبناني، لكن صورة هذا الدور تغيرت مع انهيار الاقتصاد في عام 2019.
ومع تفاقم الأزمة، واجه اللبنانيون فقرا متزايدا، وذلك بسبب تجميد ودائعهم وفقدان الليرة اللبنانية أكثر من 95% من قيمتها، مما أدى إلى احتجاجات واسعة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
ودفعت الأزمة المالية السلطات اللبنانية ودولاً أوروبية إلى فتح تحقيقات حول دور سلامة في استغلال منصبه لاختلاس الأموال العامة.
حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة
وتولى سلامة، الذي يحمل الجنسية الفرنسية، منصب الحاكم في عام 1993 بعد مسيرة مهنية في شركة “ميريل لينش”.
واعتُبر سلامة “مهندس السياسات المالية” في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، حيث اعتمد النظام المالي اللبناني على تدفقات رأس المال من دول الخليج والمغتربين.
ورغم النجاح في تجاوز الأزمات المالية، كان ذلك على حساب الاقتصاد الوطني، حيث تجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 150%.
لكن مع تباطؤ التحويلات بالدولار، زادت الضغوط على النظام المالي الذي يتطلب تدفقات مستمرة من العملة الصعبة. وفي عام 2016، سحب سلامة الدولارات من البنوك بأسعار فائدة مرتفعة، وهي خطوة اعتبرها البنك الدولي “مخطط بونزي”.
مع تراجع تدفق الدولارات، جمدت ودائع المدخرين بالعملات الأجنبية، أو أجبروا على سحب أموالهم بالعملة المحلية بأسعار صرف أدت إلى تآكل قيمة مدخراتهم، مما أدى إلى انهيار الثقة في النظام المالي الذي كان سلامة يشرف عليه، وفقاً لوكالة رويترز.
وأشار خبراء اقتصاديون إلى أن “إصرار سلامة على المحافظة على سعر الصرف الثابت بأي ثمن” كان أحد الأسباب الرئيسية للأزمة المالية التي لا تزال تعصف بلبنان.
وعلى مدار مسيرته، حاز سلامة على العديد من الجوائز العالمية، بما في ذلك جائزة “أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم” لعام 2006 من مجلة “يوروموني”، وجائزة مماثلة من مجلة “بانكر” في 2009.
تحقيقات وعقوبات
بعد الانهيار المالي في لبنان، بدأت سويسرا في عام 2020 تحقيقاً في أنشطة سلامة، تلاها تحقيقات من قبل لبنان وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ في عام 2021، بالإضافة إلى موناكو وليختنشتاين وبلجيكا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفقاً لما ذكرته “فايننشال تايمز”.
وتشتبه هذه الدول بضلوع سلامة في “جرائم اختلاس أموال عامة وتبييض أموال وفساد”، كما حملته جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الأزمة المالية التي أصابت البلاد.
وفي أغسطس/ آب 2023، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بياناً اتهمت فيه سلامة باستغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية كبيرة على حساب الشعب اللبناني.
وكشف البيان عن “تورط سلامة في تأسيس عدد من الشركات الوهمية وفتح حسابات مصرفية في أوروبا ومنطقة البحر الكاريبي، مما مكنه من إدارة مخططات مالية معقدة تهدف إلى إثرائه الشخصي بمساعدة أفراد من عائلته وزملائه المقربين”.
كان من أبرز هذه المخططات تعاونه مع شقيقه رجا سلامة عبر شركة وهمية مسجلة في جزر فيرجن البريطانية باسم “فوري”، لتحويل حوالي 330 مليون دولار من معاملات مصرف لبنان.
ووفقاً للعقد الذي وافق عليه رياض سلامة، كانت شركة شقيقه ستحصل على عمولة على مشتريات الأدوات المالية من المصرف، رغم عدم تقديم الشركة لأي فائدة واضحة.
وساهمت ماريان حويك، المساعدة الرئيسية لسلامة في مصرف لبنان، في هذه الأنشطة، حيث حولت مئات الملايين من الدولارات – أكثر بكثير من راتبها الرسمي – إلى حسابات سلامة ورجا.
وتم تحويل هذه الأموال بشكل متكرر إلى شركات إدارة عقارات في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وبلجيكا، والتي كانت مسجلة باسم نجل سلامة، نادي سلامة، أو شريكة سلامة السابقة، الأوكرانية آنا كوساكوفا، التي أنجب منها ابنة، وفقاً لشهادة ميلاد اطلعت عليها “رويترز”.
وتم استخدام تلك الأموال لشراء عقارات فاخرة.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، يوم الخميس، أن الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا فرضت عقوبات اقتصادية على رياض سلامة، الحاكم السابق لمصرف لبنان، بتهم فساد مالي، وذلك بعد مغادرته منصبه دون تعيين خلف له.
وأوضحت وزارة الخزانة أن سلامة “استخدم شركات وهمية في بنما وصندوقاً ائتمانياً في لوكسمبورغ لإخفاء هويته عند شراء أسهم في شركة عمل فيها ابنه كمستشار استثماري”. ولاحقاً، باع هذه الأسهم إلى مصرف لبناني خاضع لرقابة مصرف لبنان، مما يشكل تضارباً واضحاً في المصالح وانتهاكاً محتملاً للقانون اللبناني.
ونتيجة لذلك، أدرجت واشنطن سلامة على قائمة العقوبات، متهمة إياه بالتورط في ممارسات فاسدة وغير قانونية ساهمت في تدهور سيادة القانون في لبنان.
ولم تقتصر العقوبات على سلامة فقط، بل شملت أيضاً أفراداً من عائلته وشركائه. وأكدت الوزارة أن هذه الإجراءات جاءت بالتنسيق مع المملكة المتحدة وكندا، كجزء من جهود مشتركة لمحاسبة المسؤولين عن استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الشعب اللبناني.
أرباح بالمليارات
فيما يتعلق بشركة “أوبتيموم”، كشف تدقيق أجرته شركة “كرول” أن مصرف لبنان قدم قرضاً بقيمة 8.6 مليار دولار للشركة لشراء سندات خزينة من المصرف نفسه.
ومع كل عملية، كان المصرف يعيد شراء السندات من الشركة، مما زاد القيمة الإجمالية إلى 16.6 مليار دولار، وفقاً لوسائل إعلام لبنانية.
ونتيجة لهذه العمليات، حققت الشركة أرباحاً بلغت 8 مليارات دولار، وُضعت في حساب بمصرف لبنان قبل أن تُسحب إلى جهة مجهولة.
ولم تتمكن شركة “آلفاريز آند مرسال”، المتخصصة في الخدمات الاستشارية، من تتبع حركة الأموال خلال التدقيق الجنائي.
وأُعيد فتح ملف “أوبتيموم” مؤخراً بناءً على تقرير وحدة الأسواق المالية ودعوى قضائية من مجموعة من المدعين، بينهم محامون.
وبعد توقيف سلامة، انقسم اللبنانيون بين من يرون في هذه الخطوة “بداية جادة لمعالجة قضايا الفساد والشبهات المالية المرتبطة به”، وآخرين يرون أن الأمر “لا يعدو كونه مسرحية قضائية ستنتهي بتبرئته”.
تلاعب وسوء إدارة
وكشف تقرير التدقيق الجنائي الذي أعدته شركة “ألفاريز ومارسال” في 11 أغسطس/ أب 2023 عن “سوء إدارة” وثغرات كبيرة في عمل مصرف لبنان المركزي خلال السنوات الخمس الماضية، مع التركيز على دور رياض سلامة.
التقرير، الذي جاء في 332 صفحة، أشار إلى أن “الوضع المالي للمصرف المركزي تدهور بسرعة بين عامي 2015 و2020”.
ومع ذلك، لم يظهر هذا التدهور في الميزانية العمومية للمصرف بفضل سياسات محاسبية “غير تقليدية” سمحت له بالمبالغة في تقدير الأصول والأرباح وتجنب الكشف عن الخسائر الحقيقية.
وأكد التقرير أن الهندسات المالية التي أشرف عليها سلامة كانت “مكلفة للغاية” وأبرزت نقص الرقابة على سلطته كصاحب القرار الرئيسي.
كما كشف عن “دليل على دفع عمولات غير شرعية” بلغت 111 مليون دولار، مشيراً إلى احتمال وجود مخطط أكبر للعمولات.
وخلال استجوابه، أفاد سلامة للمحققين الأوروبيين بأن قيمة ممتلكاته النقدية والعقارية في عام 1993 كانت 60 مليون دولار، منها 8 ملايين دولار من الأراضي العائلية الموروثة.
وأشار إلى أن ثروته الحالية تقدر بنحو 200 مليون دولار، مما يعني أنها تضاعفت أكثر من ثلاث مرات خلال ثلاث عقود.
وأوضحت الصحيفة أن سلامة أرجع تراكم ثروته إلى سنوات عمله كمصرفي استثماري واستثماراته اللاحقة، لكن دراسة مالية أجراها محققون ألمان في عام 2022 خلصت إلى أنه “لم يكن بإمكان سلامة جمع هذه الثروة بشكل شرعي قبل توليه منصب الحاكم”.
وأكدت مصادر مطلعة على التحقيقات أن تقديرات سلامة لثروته “قد تكون متحفظة”، حيث من المحتمل أن تكون “الكثير من الأصول مخفية في ملاذات ضريبية أو محمية بسرية البنوك في لبنان”.
وفي مارس/ آذار 2022، أعلنت وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال العدالة الجنائية (يوروجست) عن تجميد فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية.
وكان هذا الإجراء جزءاً من تحقيق يستهدف سلامة وأربعة من المقربين منه بتهم غسل أموال واختلاس أموال عامة تجاوزت قيمتها 330 مليون دولار و5 ملايين يورو بين عامي 2002 و2021.
وتلقت مسيرة سلامة ضربة جديدة محلياً، حيث أصدرت هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في مصرف لبنان قراراً بتجميد حساباته المصرفية وحسابات شركائه، ورفع السرية عنها تجاه الجهات القضائية المختصة.
وفي مارس/ آذار 2023، تقدمت الدولة اللبنانية بادعاء شخصي ضد سلامة بجرائم الرشوة والتزوير وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي. شمل الادعاء شقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، وكل من يظهره التحقيق.
وفي مايو/ آيار 2023، أصدر القضاء الفرنسي مذكرة اعتقال بحق سلامة بتهم اختلاس أموال عامة، بالإضافة إلى نشر إنتربول نشرة حمراء للقبض عليه.
كما أصدرت السلطات الألمانية مذكرة اعتقال بحقه بتهم الفساد، لكن تم إلغاء هذه المذكرة لأسباب فنية، وفقاً لمكتب المدعي العام في ميونيخ.
ومع ذلك، تواصل التحقيقات وتبقى أصول سلامة المالية مجمدة.
وفي يوليو/ تموز 2023، وافق القضاء الفرنسي على نقل الأصول المجمدة التي تخص سلامة وشركاءه إلى الدولة اللبنانية.
وفي 14 أغسطس/ آب 2023، أصدرت هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال قراراً بتجميد حسابات سلامة وأربعة من شركائه.
وخلال مقابلة تلفزيونية في يوليو/ تموز 2023، دافع سلامة عن فترة ولايته، زاعماً أنه كان “كبش فداء” للأزمة المالية في البلاد، وأن المسؤولية عن إنفاق الأموال العامة “تقع على عاتق الحكومة وليس البنك المركزي”، مشيراً إلى نيته “طي صفحة من حياته”، مؤكداً أن “المنظومة غسلت يديها” منه منذ زمن.
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية