سعود النداح
باحث دكتوراة في سياسات الرعاية الاجتماعية وإدارة المؤسسات، مستشار اجتماعي.
في الحياة قد يكون من السهل أن ننجذب نحو لفت الأنظار، وأن نسعى لإثارة إعجاب من حولنا، وأن نتمتع ببريق اللحظة. لفت الأنظار يبدو مغريًا، فبوسعه أن يمنح شعورًا سريعًا بالإنجاز ويغذي رغبة داخلية في الشعور بالتميز. لكن، هل حقًا تكفي لحظة عابرة من الإعجاب لترك أثر يستمر؟ وهل يمكن لبريق مؤقت أن يمنحنا عمقًا يبقى؟.
الجواب يكمن في الفرق الخفي بين “لفت الأنظار” و”لفت العقول”. لفت الأنظار سطحي، سريع الزوال، قائم على ما يراه الناس في اللحظة الراهنة. إنه يعكس مظهرًا خارجيًا، قد يجذب لكنه لا يتجاوز حدود الإعجاب السطحي. أما لفت العقول، فهو رحلة أصعب، لأنها تتطلب ما هو أعمق من المظهر، فهي تستند إلى رسالة، إلى فكرة، إلى أثر يبقى بعد أن تتلاشى الأضواء. لفت العقول ليس مجرد حضور عابر، بل هو جسر يمتد إلى وعي الآخرين، ويعيش في ذاكرتهم وروحهم.
لفت العقول يعني أن تترك بصمةً خالدة، أن تُحدث تغييرًا إيجابيًا في حياة الناس، أن تكون نورًا يُضيء لهم طريق الفهم والوعي. هذا السعي لا يأتي بسهولة، فهو يتطلب منا الشجاعة لنكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين، أن نقدم قيمة تتجاوز ذواتنا، وأن نكون مستعدين لتحمل النقد والمساءلة. إنه طريق يحتاج إلى ثبات وإصرار، لأنه لا يبنى على كلماتٍ منمقة أو أفعال عابرة، بل على صدق في الغاية، عمق في الرؤية، وإرادة في ترك أثر لا يُمحى.
حينما نسعى للفت العقول، ندرك أن القيمة الحقيقية للإنسان ليست في صورته العابرة، بل في أفكاره التي تعيش، وفي أثره الذي يبقى. فالأثر العظيم لا يصنعه بريق لحظة، بل يخلقه عمقُ رسالة تظل تضيء في قلوب الناس وعقولهم بعد أن يغيب صاحبها. كن من يسعى لخلق ذلك العمق، أن تكون ذلك النور الذي لا ينطفئ، ذلك الصوت الذي يترك بصمته في أذهان الناس ووجدانهم، وليس مجرد وميض يضيء للحظة ثم يتلاشى.
المصدر: صحيفة الوئام السعودية