بين إسرائيل وحماس، تبدو أمريكا أكثر يأسا من التوصل لهدنة بغزة، في معضلة تجد جذورها في حسابات السياسة بالأساس لجميع الأطراف.
وقبل أيام، انهارت جولة مفاوضات استضافتها القاهرة حول وقف إطلاق النار في غزة، حيث رفض كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقيادة حماس التراجع عن خلافات رئيسية.
وقال مسؤول عربي مطلع على المفاوضات لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إن الفرق الفنية ستجتمع في الدوحة، متوقعا وقف إطلاق النار “في أي وقت قريب”.
ورغم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها نتنياهو من جانب أهالي الأسرى، إلا أنه يصر على بقاء قواته في غزة ومواصلة العملية العسكرية ضد حماس.
وفي المقابل، ترفض حماس تسليم الأسرى حتى في الوقت الذي يكافح فيه الفلسطينيون، للبقاء على قيد الحياة في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل الذي قتل أكثر من 40 ألف فلسطيني.
أكثر يأسا
في حين اعتاد نتنياهو وحماس على الانسحاب من المفاوضات، فإن الولايات المتحدة تبدو أكثر يأساً منهما من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى.
وبحسب المجلة، يمكن تفسير المعضلة جزئيا من خلال فهم التباين في الضرورات السياسية التي تحرك كل من الحركة ورئيس الوزراء الإسرائيلي والإدارة الأمريكية الديمقراطية.
وتسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإنهاء الحرب لتخفيف مخاوف الناخبين، إلا أنه من المرجح أن ينتظر نتنياهو عودة المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض لكي يتمتع بقدر أعظم من الحرية في التعامل مع الصراع.
أما حماس، فتريد التأكد من أن أي اتفاق يضمن عدم إبادتها واستمرارها في حكم قطاع غزة.
وقال جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن الأمر لا يتعلق بعدم رغبة نتنياهو أو حماس في التوصل إلى اتفاق، بل برغبتهما في التوصل لاتفاق حسب شروطهما التي لا تتوافق.
ولا تريد إسرائيل أي اتفاق يمنعها من مواصلة الحرب، أما زعيم حماس يحيى السنوار فيريد انسحابًا إسرائيليًا كاملاً، والعودة إلى الوضع الراهن قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لكن إدارة بايدن “تريد بشدة وقف إطلاق النار على أساس التسوية نظرًا للحساسيات السياسية المتزايدة قبل الانتخابات الأمريكية”.
أداة انتخابية
بحسب أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في يونيو/حزيران الماضي، فإن عدد الأمريكيين الذين يعارضون العمل العسكري الإسرائيلي في غزة أكبر من الذين يوافقون عليه.
فرغم زيادة الدعم العام للعملية العسكرية الإسرائيلية منذ مارس/آذار الماضي، إلا أن أغلبية الديمقراطيين والمستقلين يعارضونها.
ويريد الديمقراطيون أن يظهروا وكأنهم يبذلون جهدا لإنقاذ الأسرى الإسرائيليين وأيضا أرواح الفلسطينيين، خاصة أن هذا له تأثير على الناخبين في الولايات الخمس المتأرجحة التي يسكنها عدد كبير من الأمريكيين من أصول عربية.
وفي مايو/أيار الماضي، أعلن بايدن ما أسماه “اقتراحا إسرائيليا” مقسما إلى ثلاث مراحل، تستمر الأولى 6 أسابيع يتم خلالها تبادل مئات السجناء الفلسطينيين بجميع النساء وكبار السن والجرحى من الأسرى على أن يتم تسليم جميع الأسرى المتبقين في الثانية.
وإذا سارت الأمور وفقا للخطة، فإن وقف إطلاق النار المؤقت سيصبح “وقفا للأعمال العدائية بشكل دائم” في حين يبدأ إعمار غزة في المرحلة الثالثة، لكن نتنياهو لم يوافق أبدا على هذا المقترح رغم أن جزءًا من المؤسسة الإسرائيلية كان على استعداد لقبوله، وفقا لهيلترمان.
وذكرت “فورين بوليسي” أنها علمت أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت المؤسسة الدفاعية في إسرائيل تدعو إلى المزيد من المرونة للوصول إلى صفقة، لكنّ هناك شعورا متزايدا بأن نتنياهو يعيق الاتفاق لإرضاء حلفائه من اليمين المتطرف.
ونقلت المجلة عن ضابط سابق رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي كان منخرطًا حتى وقت قريب في العمليات العسكرية في غزة ،قوله إن نتنياهو كان مدينًا لزعيمي أقصى اليمين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وكان يعطي الأولوية لهزيمة حماس على إطلاق سراح الأسرى بناءً على طلبهما.
وأضاف: “نتنياهو يتحدث بثلاث لغات مختلفة: واحدة للأمريكيين، وواحدة لعائلات الأسرى وواحدة لحلفائه في الائتلاف”.
ولمرة جديدة، زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الشرق الأوسط هذا الشهر لإيجاد حل لنقاط الخلاف الرئيسية بما في ذلك طلب نتنياهو بإبقاء الجنود الإسرائيليين في ممر فيلادلفيا على طول الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، وممر نتساريم، الذي يقسم القطاع إلى منطقتين شمالية وجنوبية.
مشكلتان
قال إيرن ليرمان، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، لـ”فورين بوليسي”: هناك مشكلتان “منع ممر فيلادلفيا من أن يصبح شبكة من أنفاق التهريب مرة أخرى، ومنع المسلحين في جنوب غزة من الذهاب إلى الشمال بالأسلحة والصواريخ”.
وأضاف: “تعتقد مؤسسة الدفاع أننا نستطيع تثبيت أنظمة مراقبة فنية على كلا الممرين، وهذا يعني عدم وجود بشر، ونحتفظ بحقنا في العودة إذا رأينا أو شعرنا بالخطر”.
وأشار الضابط الإسرائيلي السابق إلى أن نتنياهو يلقي مسؤولية القضاء على حماس على قوات الجيش، بينما يتجاهل واجبه السياسي في إيجاد أو خلق بديل للحركة في غزة.
وقال إن “قوات الجيش تخبر الحكومة منذ فترة أن أي عمل عسكري لا يهدف إلا إلى خدمة خطة سياسية.. دعونا نتفق على وقف إطلاق النار الآن ونستعيد الأسرى طالما يمكننا الذهاب إلى داخل غزة لتنفيذ الغارات، إذا لزم الأمر”.
وقال جوناثان كونريكوس، المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي إن “الحروب لا يتم الانتصار فيها فقط بقتل العدو إنما بقتله وكسر إرادته في القتال، والتوصل إلى اتفاق دبلوماسي لخلق الظروف التي تريدها على الأرض”.
لا دعم
مع تقدم الاختلافات بين نتنياهو والمؤسسة الدفاعية إلى الواجهة، لم تتلق حماس -أيضًا- الدعم الذي كانت تأمله من حلفائها، فإيران ومليشاتها ضربت إسرائيل لكن ليس بالضراوة التي توقعتها حماس.
كما أن هجمات حزب الله المنتظمة على إسرائيل لم تكن قوية بما في ذلك هجوم الأحد الماضي.
وحتى الآن، لم تكن هناك حرب إقليمية ورغم اغتيال عدد من قادة حماس إلا أن الحركة صامدة ولم تستسلم كما توقع البعض في إسرائيل.
وخلال المؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي، أكدت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أنها “ستدافع دائما عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” و”ستضمن دائما قدرتها على الدفاع عن نفسها”.
ويعني ذلك أنها لن تقطع إمدادات الأسلحة، لكنها دعت -أيضا- إلى وقف فوري لإطلاق النار، ودعمت حق الفلسطينيين في “الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير”.
موقف هاريس أكثر بكثير مما يمكن للفلسطينيين أن يتوقعوه من ترامب الذي هدد بقطع جميع المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، وطرد المهاجرين المتعاطفين مع حماس، وهو ما يمكن أن يمتد لأي شخص يدعم القضية الفلسطينية وتوسيع حظره للمسلمين ليشمل اللاجئين من غزة.
وقد تكون هاريس أفضل من ترامب عندما يتعلق الأمر بتقديم الدعم الأمريكي لحل الدولتين وحماية حقوق الأمريكيين المسلمين بشكل عام.
لكن عملها المتوازن بشأن غزة يعيد التذكير بسياسة بايدن والذي لم ينجح في تهدئة مخاوف الناخبين.
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية