يُتوقع على نطاق واسع أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر فائدة التمويل المرجعي لدى البنك المركزي الأميركي بمقدار ربع نقطة مئوية يوم الخميس إلى نطاق يتراوح بين 4.5% و4.75%. والسؤال الكبير هو إلى أي مدى قد يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بعد هذه النقطة خلال دورة التيسير النقدي هذه. تشير سوق السندات إلى أنها لن تصل لمستويات منخفضة كما يتنبأ البعض، أو إلى المستويات التي توقعها صناع السياسة النقدية قبل أقل من شهرين.
يُعتبر العائد على سندات الخزانة لأجل عامين -والذي يتتبع سعر فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي عن كثب، ولكن في كثير من الأحيان التنبؤ بتحركات البنك المركزي الأميركي- مؤشراً جيداً تاريخياً. وفي الآونة الأخيرة، أشار في 2021 إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع الفائدة لمحاربة التضخم، وكان ذلك قبل أشهر من تحرك صناع السياسات النقدية. كما انخفض أيضاً قبل عدة أشهر من بدء البنك المركزي في تيسير السياسة النقدية في سبتمبر.
لكن في الآونة الأخيرة شهد العائد على سندات الخزانة لأجل عامين تغيراً جوهرياً، ليس فيما يتعلق بأسعار الفائدة المنخفضة، ولكن بشأن حجم التخفيضات المقبلة.
سعر الفائدة النهائي
قبل ما يزيد قليلاً عن شهر، بلغ العائد على الأوراق المالية لأجل عامين حوالي 3.5%، مما عزز التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي كان متجهاًَ إلى الوصول ما يسمى بسعر الفائدة النهائي، والذي يُفهم عموماً على أنه 0.5 إلى 1 نقطة مئوية فوق هدف التضخم البالغ 2%. وعزز الاحتياطي الفيدرالي هذا الانطباع في ملخص التوقعات الاقتصادية الصادر في سبتمبر، خاصة بعد أن تنبأ متوسط توقعات أعضاء لجنة تحديد سعر الفائدة انخفاض السعر المرجعي إلى 3.4% بحلول نهاية العام المقبل.
ومع ذلك، وفي الأسابيع القليلة الماضية، ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين بمقدار 70 نقطة أساس إلى 4.2%. وهذه تُعد خطوة كبيرة، مما يشير إلى أن سوق السندات تتوقع خفضين إضافيين بمقدار ربع نقطة مئوية فقط بعد التخفيض المتوقع اليوم الخميس. وهو يعني ضمناً أن سعر فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي سوف يستقر في نطاق يتراوح بين 4% و4.25%، وهو أعلى بكثير من سعر الفائدة النهائي.
هدف التشغيل
لماذا تغير؟ من الصعب قراءة أفكار الأسواق مسبقاً، ولكن بعض التطورات الأخيرة حول التفويض المزدوج لبنك الاحتياطي الفيدرالي -المتمثل في تحقيق الحد الأقصى من تشغيل العمالة واستقرار الأسعار- جديرة بالملاحظة. أما بالنسبة للأول (أي الحد الأقصى من التشغيل)، فيبدو أن الاقتصاد لم يعد يتجه نحو الركود ويجذب سوق العمل معه لأسفل. يبدو أن المخاوف الواسعة النطاق من حدوث الركود في 2022 بدت منطقية عندما بدأ معدل البطالة في الارتفاع بعد عام، وبلغ ذروته عند 4.3% في يوليو من مستوى منخفض عند 3.4% في أبريل 2023. ودفع ذلك الاحتياطي الفيدرالي إلى إيلاء نفس القدر من الاهتمام على الأقل لسوق العمل مثل التضخم، مما أدى في النهاية إلى البدء في خفض أسعار الفائدة.
ومع ذلك، فإن الركود ليس متوقعاً. إذ نما الاقتصاد بمعدل سنوي نحو 3% بعد احتساب التضخم خلال الربعين الثاني والثالث، ويقدر مؤشر بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا للناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 2.4% هذا الربع. كما انخفض معدل البطالة إلى 4.1% منذ يوليو، رغم بعض أرقام الوظائف الشهرية المتطرفة التي جاءت بعد ذلك. ربما يفسر هذا سبب تحرك عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات ليرتفع بشكل متواضع عن عائد الأوراق المالية لأجل عامين، وهو الوضع الصحيح لمنحنى العائد المقلوب الذي يعتبره الكثيرون إشارة إلى خطر الركود. وكما تبين، فإن سوق العمل قد لا تحتاج إلى قدر كبير من المساعدة (من قبل الاحتياطي الفيدرالي) كما كان متوقعاً في السابق.
خطر التضخم
والآن لنتأمل الجانب الآخر من تفويض الاحتياطي الفيدرالي. يتجه معدل التضخم نحو هدف البنك المركزي البالغ 2%، ولكن الوصول إلى هناك قد يكون أكثر صعوبة بعد الانتخابات الرئاسية. يمكن لخطط إنفاق دونالد ترمب أن تضيف ما يصل إلى 15 تريليون دولار من العجز على مدى السنوات العشر المقبلة، وفقاً للجنة غير الحزبية للميزانية الفيدرالية المسؤولة.
يعد هذا مبلغاً ضخماً من التحفيز المالي أخذاً في الاعتبار إجمالي العجز البالغ 11 تريليون دولار منذ 2020 والذي ساهم في الموجة الأخيرة من زيادات أسعار المستهلك. ناهيك عن وعد ترمب بتوسيع الرسوم الجمركية أو ترحيل العمال غير المسجلين، أو الحجم الصغير للغاية للميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي تضخمت إلى 7 تريليونات دولار، وهي كتلة من التحفيز النقدي التي لم يكن من الممكن تصورها قبل جائحة كوفيد. كل هذا يُعد محفزاً محتملاً للتضخم.
ومن المؤكد أن أجزاء أخرى من سوق السندات تعتقد ذلك. إذ وصل معدل التعادل لخمس سنوات -وهو الفرق في العائد بين سندات الخزانة الاسمية والمعدلة حسب التضخم لخمس سنوات، وهو مقياس جيد لتوقعات التضخم- إلى 2.5% بعد أن اقترب من 1.8% في سبتمبر. أمّا معدل التعادل لمدة 10 سنوات فوصل إلى النقطة المفضلة لبنك الاحتياطي الفيدرالي عند 2% في سبتمبر، ولكنه ارتفع إلى 2.4% منذ ذلك الحين. هذه الأرقام ليست أعلى بشكل كبير من هدف الاحتياطي الفيدرالي، لكنها ذات أهمية توجيهية.
اقتصاد قوي وتضخم راسخ
إن الاقتصاد القوي المدعوم بجبل من التحفيز المالي والنقدي لا يوفر بيئة لسوق عمل ضعيفة بقدر ما يشكل سبباً لمعدل تضخم أعلى بشكل راسخ عن هدف الاحتياطي الفيدرالي. قد يفسر هذا سبب عدم توقع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين خفض البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة بشكل أكبر.
لذا أنصح بمراقبة العائد على سندات الخزانة لأجل عامين. ومن المرجح أن يخبر المستثمرين عن المسار الذي يتجه إليه الاحتياطي الفيدرالي أكثر من أي شيء يقوله البنك المركزي أو رئيسه جيروم باول يوم الخميس.
المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق