"سيلزفورس" الحصان الأسود في سباق الذكاء الاصطناعي

"سيلزفورس" الحصان الأسود في سباق الذكاء الاصطناعي

تتفوق شركة “سيلزفورس” على نفسها بأدائها غير المتوقع في ذلك النشاط المحموم لبيع خدمات الذكاء الاصطناعي. 

أسمع منك نبرة تعجب وأنت تقول: “سيلزفورس”؟ هذه الشركة التي تعمل في ذلك المجال الراكد و”الكئيب” لبيع برامج إدارة علاقات العملاء؟  

نعم، وهي تنتقل بجسارة إلى مجال الذكاء الاصطناعي أيضاً. فقد أصبحت هذه الشركة الأولى بين شركات التكنولوجيا التي تطلق نوعاً جديداً من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المعروفة باسم “الوكلاء” (agents) التي تحدثت عنها كثيراً الشركات الرائدة الأخرى في هذا المجال دون أن تقدم شيئاً يُذكر. 

وخلافاً لأقرانها، تصرح شركة “سيلزفورس” بوضوح تام بأن أدواتها الجديدة ستطرد العاملين، وتحل محلهم في الوظائف. وهي في ذلك تتخذ منهجاً فجاً وقاسياً، ولكنها ربما تحتاج إليه حتى تتقدم في سباق الذكاء الاصطناعي مع تعدي الشركات الأحدث مثل “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك” على مجال عملها.  

تستطيع أن تنسب هذه النزعة الجريئة إلى مارك بينيوف، رئيس “سيلزفورس” التنفيذي ذي الشخصية المتميزة، الذي ساعدته استراتيجياته المستقلة غير العادية على قيادة ثورة “البرمجيات كخدمة” (SaaS)، وجذب بفضلها قاعدة عملاء تضم 90% من الشركات المصنفة في قائمة “فورتشن 500” (Fortune 500)، بما في ذلك “والت ديزني” و”فورد موتور”. 

تكسب “سيلزفورس” المال من خلال بيع الاشتراكات في تطبيقات مثل “سيلز كلاود” (Sales Cloud) و”سيرفيس كلاود” (Service Cloud)، والتي تستخدمها الشركات لتتبع المبيعات وخدمة العملاء. 

خدمة “إجنت فورس” 

كانت أكبر عروض شركة “سيلزفورس” في مؤتمر “دريم فورس” (Dreamforce) هذا الأسبوع – وهو مؤتمرها الفخم الذي يستولي على وسط مدينة سان فرانسيسكو كل عام – هي خدمة “إجنت فورس” (Agentforce)، وهي خدمة جديدة تتيح للعملاء استخدام وكلاء (agents) مستقلين مدعومين بالذكاء الاصطناعي.

ووفقاً لشركة “سيلزفورس”، خرجت الروبوتات من الخدمة ودخل الوكلاء. والأولى هي روبوتات الدردشة الآلية، التي تعمل بتقنية شركات مثل “أوبن إيه آي” (OpenAI) و”غوغل” و”أنثروبيك” (Athropic)، والتي تستقر في زاوية موقع الويب، وتستطيع الإجابة على أسئلة العملاء. أما الآن، فيستطيع الوكلاء القيام بإجراءات مثل تقديم شكوى أو حجز موعد أو تغيير عنوان الشحن في الملف، بدلاً من الاقتصار على تقديم المعلومات. 

قد يبدو “القيام بإجراءات” مخاطرة كبيرة بالنسبة للشركات في استخدام الذكاء الاصطناعي، نظراً لأن النماذج التوليدية معروفة بالهلوسة، كما أن روبوتات الدردشة الآلية أعطت معلومات خاطئة للعملاء في بعض الأحيان. ولك أن تتخيل نموذجاً للذكاء الاصطناعي يسيء القيام بعملية حجز فنادق أو تذاكر طيران.

تقول شركة “سيلزفورس” إن ذلك لن يكون مشكلة. وقد أوضح لي مدير استراتيجية الشركة بيل باترسون ذلك بقوله: “تنخفض الهلوسة والتخبط إلى الصفر لأن (إجنت فورس) لا تسمح بتوليد المحتوى إلا من المصادر التي دُربت عليها”. ويضيف أن هذا يجعلها أكثر موثوقية من “أوبن إيه آي”، الذي يقوم بمسح الإنترنت عموماً والبحث في كل محتوياته الزائفة.

استبدال البشر في الوظائف 

هذا افتراض جريء، كما هو جريء أيضاً أن “سيلزفورس” أصبحت تتعامل بأريحية في معالجة مسألة كانت شركات الذكاء الاصطناعي حتى الآن تتحاشاها في الغالب بالالتفاف حولها – وهي أن النجاح بالنسبة لعملائها من الشركات يقاس بخفض التكاليف، أي تقليل الوظائف.

أخبرني أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة أخرى من شركات الذكاء الاصطناعي مؤخراً أن الشركات من عملائها كانت تتردد في الإعلان عنها كدراسات حالة لأنها تخشى أن يضر ذلك بسمعتها. إذ إن تخفيض الوظائف لا يقدم صورة جيدة للشركة.   

لكن “سيلزفورس” كان لديها العديد من دراسات الحالة التي أشارت إليها يوم الثلاثاء، مثل شركة “جون وايلي آند صنز” (John Wiley & Sons) لنشر الكتب التعليمية، والتي استخدمت خدمة “إجنت فورس” (Agentforce) على مدى الأشهر الثلاثة الماضية لتقليل زمن الرد على استفسارات العملاء إلى النصف تقريباً. فعادةً ما تقوم “وايلي” في شهري أغسطس وسبتمبر بتوظيف مزيد من الأشخاص للتعامل مع الارتفاع المفاجئ في الطلب من الطلاب العائدين إلى المدرسة، ولكن مع “إجنت فورس” لم تضطر إلى الإنفاق على موظفين جدد، وفقاً لشركة “سيلزفورس”. 

تساءل بينيوف في كلمته الرئيسية يوم الثلاثاء، قائلاً: “ماذا لو كان بإمكانك دعم شركتك الخدمية وتنمية شركة المبيعات الخاصة بك دون توظيف مزيد من العمال؟”، وأجاب: “هذا ما يفعله (إجنت فورس)”. 

استراتيجية تسعير ذكية

قيل إن بينيوف أعاد كتابة كلمته الرئيسية قبل أيام من انعقاد المؤتمر لأنه كان يعتقد أن عليه معالجة “حالة الإحباط العميقة التي تحيط بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي”. يبدو أن إحدى نتائج ذلك هي أنه لم يتراجع. وللتأكيد على اعتقاد شركة “سيلزفورس” بأن خدمة “إجنت فورس” ستحل محل البشر، فقد غيّرت الشركة نموذج عمل هذه الخدمة. فبدلاً من فرض رسوم على كل فرد يستخدمها، مما يعني أن إيراداتها لن تنمو إلا إذا قام عملاؤها بتوظيف مزيد من الأشخاص، تتقاضى خدمة “إجنت فورس” دولارين “لكل محادثة”. لذا، إذا قامت شركة مثل “وايلي” بتوظيف عدد أقل من الموظفين، فربما تستمر في دفع مبالغ أكبر لشركة “سيلز فورس”. إنها استراتيجية تسعير ذكية.  

سيكشف الزمن ما إذا كانت الشركات ستحقق عائداً على الاستثمار من أدوات “سيلزفورس” الجديدة، خاصة عندما تجد العديد من الشركات صعوبة في قياس نجاح الذكاء الاصطناعي التوليدي. ولكن هذا يمثل تهديداً واضحاً للشركات الأحدث مثل “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك”، التي اعترفت خلف الأبواب المغلقة (أمامي) أنها هي نفسها تستخدم “سيلزفورس”، وأن ما تقدمه للعملاء هو خدمة إضافية لبرنامج إدارة علاقات العملاء من شركة “سيلزفورس”.

بالنسبة للعديد من كبار مسؤولي الابتكار، من الأسهل بكثير أن يخبروا موظفي المبيعات لديهم أن بإمكانهم الاستمرار في استخدام “سيلزفورس”، المرتبطة بالفعل ببياناتهم وعملياتهم، بدلاً من الاعتياد على شيء آخر على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. فلا أحد يريد أن يضطر إلى النظر إلى شيء آخر.

إن الانتشار الواسع والراسخ لخدمات “سيلزفورس” يضعها في موقع قوي في وقت تتباطأ فيه الشركات الكبرى بشكل عام في تبني التكنولوجيا الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويشير نهجها غير المتردد في إزاحة الوظائف واستبدالها إلى أنها تعتزم جني الكثير من المال من هذا المشروع أيضاً. فعندما يتعلق الأمر بالبيع للشركات، قد تواجه شركات الذكاء الاصطناعي منافساً قوياً.   

المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *