بينما تحتفي ليبيا يوم الأحد بالذكرى الـ55 لـ«ثورة الفاتح من سبتمبر»، انعكست عاصفة الأزمات التي يمر بها البلد الأفريقي، على الذكرى، فتحولت إلى اشتباكات بين مؤيدين ورافضين.
اشتباكات سلطت الضوء على مستوى الخلاف السياسي الحاصل، وانعدام الثقة بين الأطراف التي تتنازع النفوذ في ليبيا، ومدى المسافة التي لا يزال قطار المصالحة السياسية يحتاج إلى أن يقطعها قبل الوصول إلى الانتخابات وطي صفحة الماضي، وفقا للاتفاق السياسي المبرم بينها برعاية الأمم المتحدة.
وتحتفل ليبيا في الأول من سبتمبر/أيلول من كل بذكرى «ثورة الفاتح من سبتمبر» التي قادها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 1969.
ذكرى قطعت البلاد بعدها أشواطًا ومرت بأحداث غيرت الكثير فيها، بداية من إزالة النظام الملكي، وصولا إلى أحداث 17 فبراير/شباط 2011 التي شملت احتجاجات أزالت نظام حكم القذافي نفسه، لتدخل ليبيا في الـ13 عامًا الأخيرة منعطفًا من الأزمات لم تخمد وتيرتها.
ماذا حدث؟
بحسب تقارير محلية، فإن مواطنين في عدة مدن، منها زليتن وطرابلس والزاوية وتاجوراء وسرت وسبها؛ خرجوا يوم الأحد، للاحتفال بالذكرى الـ55 للفاتح من سبتمبر، ورفعوا الأعلام الخضراء (علم ليبيا قبل 2011)، وصور القذافي، وأطلقوا الألعاب النارية، وجابت السيارات الشوارع وهي تنطلق منها أغنيات تشيد بمعمر القذافي وما قدمه لليبيا خلال حياته، وسط مطالبات من المحتفلين بالعودة لما كانت عليه البلاد قبل عام 2011، وإنهاء الفوضى.
في المقابل، خرج مناهضون لعهد القذافي إلى الشوارع، وهم يهتفون لصالح احتجاجات 17 فبراير/شباط 2011 التي أطاحت بالقذافي؛ ما تسبب في وقوع مناوشات في بعض المدن بالمنطقة الغربية، أسفرت عن سقوط 3 قتلى من مدينة زليتن، شرق العاصمة طرابلس، بغرب ليبيا.
ماذا يعني ذلك؟
تصف الصحفية الليبية عفاف الفرجاني، ما حدث من اشتباكات في زليتن، بأنها «نوع من العنف الفكري والجسدي الذي يُمارس على الليبيين، في ظل وجود المليشيات المسلحة والكيانات غير الشرعية» في غرب البلاد.
بحسب المتحدث باسم الحركة الشعبية الليبية، ناصر سعيد، فإن اشتباكات الزليتن، وما أسفرت عنه من قتلى ومصابين، تعد «إشارة قوية» بضرورة حل المليشيات ونزع سلاحها، وإنهاء أي دور لها، وتسليم سلاحها للقوات المسلحة، مشددا على أن «ليبيا وطن لجميع الليبيين، وعلى الجميع أن يتقبل الآخر دون استثناء أو إقصاء، وحل كل الأزمات عبر الحوار».
بدوره، حذّر الباحث الأكاديمي في الدراسات الاستراتيجية، محمد أمطيريد، من أن اشتباكات زليتن «تشير إلى حجم الهوة التي لا تزال تحتاج إلى جسرها بين الأطراف الليبية المختلفة».
وعما يجب فعله للتقريب بين هذه الأطراف، قال الباحث الأكاديمي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن قطار المصالحة «يحتاج إلى دفعات وتنازلات، ربما من الجميع؛ للسير بجدية نحو المرحلة التالية، وتوحيد الدولة ومؤسساتها، وإجراء انتخابات رئاسية ونيابية، بجانب المصالحات الاجتماعية والتوافقات السياسية، للذهاب إلى المصالحة الوطنية الحقيقية بين جميع الليبيين، وطي صفحة الماضي».
لكن لماذا لا زال الليبيون يحتفون بالذكرى رغم الإطاحة بقائدها؟
تقول الصحفية الليبية عفاف الفرجاني، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن «الفاتح من سبتمبر كانت رمزا وطنيا لثورة بيضاء، قادها ضباط وجنود وطنيون، وتضمنت إجلاء القوات الأمريكية والإنجليزية والإيطالية عن أرض ليبيا»، مضيفة أن تلك المعاني هي ما يحتاجها ويفتقدها الليبيون الآن، «في ظل انتشار المليشيات، ووجود قواعد أجنبية مختلفة ومرتزقة».
انتشار تلك المليشيات والوجود الأجنبي في غرب ليبيا، جعل بعض الليبيين ما زالوا يقدرون للقيادة التي أطاحوا بها، ما وفّرته من استقلال وطني وحرية ووحدة مؤسسات، تفسّر الصحفية الليبية سر التمسُّك بـ«ثورة الفاتح من سبتمبر».
الأمر نفسه أشار إليه المتحدث باسم الحركة الشعبية الليبية، ناصر سعيد، والذي رأى في خروج المظاهرات المحتفلة بـ«الفاتح من سبتمبر»، رسالة برفض التدخلات الأجنبية، وبضرورة العودة للدولة الوطنية ووحدة الليبيين.
وأوضح السياسي الليبي في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن المحتفلين «يتذكّرون في هذه المناسبة السيادة الوطنية والحرية، في مقابل ما يعيشونه الآن من ظلم وجور، ويعبرون عن تطلعهم للتحرّر والانعتاق من هذه التدخلات الخارجية».
لماذا لا توجد تلك المظاهر المسلحة في شرق ليبيا؟
يقول المحلل السياسي الليبي، سالم سويري، إن «القوات المسلحة العربية الليبية (مقرها في شرق ليبيا) تؤمن بالاختلاف والتسامح والتصالح، ومدّت يدها عددا من المرات للصفح والعفو والتسامح لجميع أبناء ليبيا؛ لذلك خرجت مثل هذه التظاهرات في العديد من المناسبات بأمان».
وفيما يسيطر الجيش الوطني الليبي على المنطقتين الشرقية والجنوبية، بعد معارك طويلة مع المليشيات المسلحة، ما زالت مدن غرب ليبيا تحت سيطرة المليشيات التي تتصارع على النفوذ والثروة هناك، معتمدةً في ذلك على ما تملكه من ترسانة أسلحة، وتمنع إعادة توحيد مؤسسات الدولة، وجبر ما بين الشرق والغرب من فجوات منذ عام 2014.
وأوضح في حديث لـ«العين الإخبارية»، أنه «من المستحيل أن تجد في المنطقتين الشرقية والجنوبية اشتباكا أو عراكا، بسبب اختلاف التوجهات السياسية، إذ تتم زراعة مبدأ الإيمان بالوطن للجميع».
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية