بعد ما يقرب من 35 عاما من سقوط جدار برلين، يمر انقسام سياسي متعرج عبر البلاد، ويتتبع الحدود السابقة بين ألمانيا الشرقية والغربية.
على الجانب الشرقي من الانقسام، يرسخ “حزب البديل من أجل ألمانيا” (اليميني) وجوده في المدن الصغيرة، مخترقا جدار الحماية المصمَم لإبقائه بعيدا عن السلطة، وفق تحليل طالعته “العين الإخبارية” في صحيفة “بوليتيكو”.
وقبل انطلاق ثلاث انتخابات في شرق ألمانيا في سبتمبر/أيلول المقبل ــ بما في ذلك في ساكسونيا وتورينغن ــ يحتل الحزب الذي كان هامشيا ذات يوم، المركز الأول أو ما يقرب من هذا الترتيب في جميع الانتخابات.
ويرجع هذا النجاح- بحسب بوليتيكو- إلى جذور الحزب المتزايدة العمق في المدن الصغيرة في مختلف أنحاء الشرق مثل غروشيرما، حيث فاز حزب “البديل من أجل ألمانيا” في الانتخابات البلدية والبرلمانية الأوروبية في يونيو/حزيران الماضي، بنحو نصف الأصوات المحلية، وهو ما يوضح مدى تحوله إلى القوة السياسية المهيمنة في المنطقة.
انقسام وفقدان ثقة؟
وتشير الصحيفة إلى أن حقيقة أن العديد من الناخبين في ألمانيا الشرقية يتبنون بشكل متزايد اليمين المتطرف تشير إلى القضية الأساسية التي تكمن وراء الانقسام: فقدان الثقة الصارخ في الأحزاب والمؤسسات ووسائل الإعلام السائدة.
ففي ولاية ساكسونيا وحدها، لا يشعر سوى 41% من الناس بالرضا عن أداء ديمقراطيتهم، وفقا لمسح أجرته حكومة الولاية.
وقال واحد فقط من كل عشرة أشخاص في الاستطلاع نفسه، إنهم يثقون بالأحزاب السياسية، فيما أعرب 15% فقط عن ثقتهم بوسائل الإعلام.
وعلى الرغم من إصرار حزب “البديل من أجل ألمانيا” على تأجيج انعدام الثقة، فقد خطى إلى الفراغ، فعزز نفسه بشكل متزايد في المجتمع الألماني الشرقي على أكثر المستويات المحلية.
الهدف أكبر من ذلك
وبالنسبة للحزب، فإن كل هذا جزء من استراتيجية أكبر، وهي البدء بالفوز في البلديات وبرلمانات الولايات في جميع أنحاء الشرق.
ويذهب التفكير إلى أن هذه الهيمنة من شأنها أن تعمل على تطبيع الحزب على الرغم من تطرفه، مما يسمح له بالتوسع ذات يوم إلى أعلى مستويات الحكومة الوطنية.
وتشكل شخصيات مثل رولف ويغاند، أهمية بالغة لهذه الاستراتيجية. ففي مارس/آذار، فاز الرجل بنحو 60% من الأصوات في انتخابات عمدة غروسشيرما ضد مرشحين وسطيين آخرين.
وبسبب خطأ فني، تم إلغاء التصويت، مما أجبر ويغاند على الترشح مرة أخرى في الانتخابات المقررة يوم الأحد المقبل. وهذه المرة، يترشح دون معارضة.
وبحسب ما طالعته “العين الإخبارية” في صحيفة “بوليتيكو”، فإن الزيادة في الدعم لحزب “البديل من أجل ألمانيا” تأتي على الرغم من حقيقة أن سلطات الاستخبارات المحلية على مستوى الولاية صنفت الفروع المحلية للحزب في كل من ساكسونيا وتورينغن على أنها منظمات متطرفة تهدف إلى تقويض الديمقراطية الألمانية.
جدار الحماية المنهار
ولفتت الصحيفة إلى أن زعماء الأحزاب الرئيسية في ألمانيا يدركون حقيقة مفادها أن أدولف هتلر كان قادرا في البداية على الصعود إلى السلطة من خلال صناديق الاقتراع ــ وأن المحافظين ساعدوا بعد ذلك في تطبيع النازيين من خلال المشاركة في حكومات ائتلافية معهم، أولا في ولاية تورينغيا الشرقية، ثم على المستوى الوطني في وقت لاحق.
ولتجنب تكرار هذا التاريخ، تتعهد الأحزاب الرئيسية الآن بالحفاظ على جدار حماية حول حزب “البديل من أجل ألمانيا”، رافضة إشراكه في الحكومات الائتلافية، أو التعاون مع الحزب في تمرير أي نوع من التشريعات.
غير أن زعماء الحزب اليميني يعتزمون هدم جدار الحماية من خلال جعل تجنب العمل معه في المدن الصغيرة أمرا مستحيلا.
وإذا احتاج الممثلون المنتخبون إلى التعاون مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” للقيام بأمور عادية مثل إصلاح الطرق والمدارس، فإن الأحزاب الرئيسية سوف تضطر ذات يوم إلى العمل مع الحزب في قضايا سياسية أكثر شمولاً.
ويقول توربين براغا، عضو البرلمان عن حزب البديل لألمانيا في تورينغيا، والذي يُعتبر أحد الاستراتيجيين الرئيسيين للحزب في شرق ألمانيا، لصحيفة بوليتيكو: “إذا كان الناس على اتصال مباشر مع حزب البديل لألمانيا في الحكومة المحلية، وأجروا اتصالا وأدركوا أيضا أن السياسات العملية تُصنع هناك، فهذا بالطبع أصل أو بداية محتملة للتعاون على مستويات أخرى”.
من جهته، يرى غونتر زشوملر، وهو سياسي محلي قديم من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني الوسطي، أنه “على مدى العقدين الماضيين، ركزت الأحزاب الكبرى حصريا على المدن”. مشيرا إلى أن حزب البديل من أجل ألمانيا “استغل هذه الفجوة، ووعد الناس بأنه سيتولى رعايتهم”.
ووافقه في هذا الرأي فولكر شارف، وهو سياسي محلي من تحالف المواطنين المستقلين، معتبرا أن الفجوة السياسية نشأت بعد توحيد ألمانيا الشرقية والغربية في عام 1990.
وبسبب شعبية حزب “البديل من أجل ألمانيا” في السياسة المحلية في جميع أنحاء الشرق، سقط جدار الحماية بالفعل في كثير من النواحي.
فبين عامي 2019 و2023، كان هناك أكثر من 120 حالة تعاون في الحكومة المحلية بين حزب “البديل من أجل ألمانيا” والأحزاب السائدة، غالبا مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وفقا لدراسة حديثة نشرتها مؤسسة روزا لوكسمبورج التقدمية.
وتشمل أمثلة هذا التعاون حالة في ساكسونيا حيث دعمت الأحزاب السائدة في أحد مجالس البلديات اقتراحا من حزب البديل لمنع استخدام لغة محايدة بين الجنسين في الإعلان عن مسرح المدينة.
وفي حالة أخرى في تورينغيا، دعمت الأحزاب السائدة اقتراحا من الحزب اليميني لإجراء تصويت على إقالة عمدة يساري.
وقالت يانا بينكا، وهي سياسية محلية من حزب اليسار: “لم يعد جدار الحماية على مستوى المقاطعة موجودا وسيزداد الأمر سوءا”. مضيفة “أنا خائفة حقا من أن يصبح الأمر أكثر قتامة. أبحث أحيانا عن أوجه تشابه مع ثلاثينيات القرن العشرين”.
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية