صدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب جديد بعنوان «التمثلات الفلكلورية في الرواية الأفريقية» للكاتب والباحث فؤاد مرسي، يتناول فيه حضور الفولكلور والثقافة الشعبية داخل الرواية الأفريقية، بوصفهما عنصرين فاعلين في تشكيل الوعي السردي والهوية الثقافية، لا مجرد إحالة إلى ماضٍ منقضٍ أو زخرفة نصية.
التراث
ينطلق الكتاب من رؤية نقدية ترى أن التراث ليس مخزونًا جامدًا يُستدعى للحنين أو التمجيد، بل أحد مكونات الحاضر الأساسية، التي لا يمكن فهمها دون الإحاطة بسياقاتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، ويؤكد المؤلف أن توظيف التراث في الإبداع الحقيقي ينبغي أن يكون توظيفًا عضويًا نابعًا من صلب التجربة الجماعية، لا استخدامًا شكليًا أو استعراضيًا.
ويتوقف فؤاد مرسي أمام تجارب روائية أفريقية استطاعت أن تُقيم سردها على استلهام واعٍ للفولكلور، لا بهدف التعبير عن اليومي والمعيش فحسب، وإنما انطلاقًا من إيمان عميق بوعي المجتمع وبمحركاته الثقافية الحقيقية.
استدعاء آليات المأثور الشعبي
ويشير إلى أن قلة نادرة فقط من النصوص هي التي نجحت في استدعاء آليات المأثور الشعبي وفق قوانينه الخاصة، بحيث يسطع الحس الفولكلوري داخلها بقوة، وينقل النص من فضاء الكتابة الحديثة إلى تخوم الشفاهية، ومن جنس الرواية إلى مواضعات النص الفولكلوري.
ويخصص الكتاب فصلًا تمهيديًا بعنوان «مرايا التوظيف الأدبي للفولكلور»، يعرض فيه المؤلف ثلاثة اتجاهات رئيسية وراء لجوء المبدعين إلى الفولكلور، الاتجاه الأول هو الاستخدام الظاهري أو «التسليعي»، الذي يتعامل مع الفولكلور كوسيلة للإبهار والغرائبية، خاصة في مخاطبة القارئ الأجنبي.
الفولكلور
أما الاتجاه الثاني، فيرى في الفولكلور ستارًا كثيفًا لتمرير الأفكار والرؤى بعيدًا عن المساءلة المباشرة، في حين يمثل الاتجاه الثالث، وهو الأهم في نظر الكاتب، الاستخدام العضوي للفولكلور، الذي ينظر إلى الثقافة الشعبية بوصفها نسقًا فلسفيًا لفهم الكون والحياة.
ويؤكد الكتاب أن الثقافة الشعبية ليست نقيضًا للفكر أو للفردية، بل تمثل جزءًا أصيلًا من التيار العام للثقافة الإنسانية، وأن الفولكلور – وإن ارتبط بالماضي – هو ماضٍ مستمر في الحاضر، يحمل في داخله نواة المستقبل.
تطور مفهوم الفولكلور
كما يناقش الكتاب تطور مفهوم الفولكلور، مستندًا إلى أطروحات عدد من الباحثين، ومبرزًا تحوّله من مجرد دراسة أشكال فنية معزولة إلى علم يدرس السياقات والوظائف والدلالات الاجتماعية.
وفي سياق الرواية الأفريقية، يربط المؤلف بين استدعاء الموروث الشعبي وقضايا الاستقلال الثقافي ومقاومة التهميش، مشيرًا إلى أن الفولكلور شكّل، ولا يزال، أحد أدوات الدفاع عن الذات القومية، وإبراز الخصوصية الحضارية في مواجهة الهيمنة الغربية المستمرة بأشكال مختلفة.
إعادة صياغة أسئلة الحاضر
ويخلص الكتاب إلى أن اللجوء إلى الفولكلور داخل النص الروائي ليس مجرد خيار جمالي، بل فعل ثقافي ومعرفي، يسهم في إعادة صياغة أسئلة الحاضر الاجتماعي والثقافي، وربط الإنسان بجذوره، وفهم معاني الانتماء والوجود داخل سياقه التاريخي والجغرافي.
يُعد كتاب «التمثلات الفلكلورية في الرواية الأفريقية» إضافة نوعية إلى المكتبة النقدية العربية، ومرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بالدراسات الأدبية والثقافية، خاصة في ما يتصل بالسرد الأفريقي وعلاقته بالتراث والهوية.
نقلاً عن : الجمهور الاخباري

تعليقات