في قلب الحضارة المصرية القديمة، حيث تتمازج الأساطير بقدسية النيل، يظل وجه واحد قادرًا على خطف الألباب وحبس الأنفاس بجماله الطاغي وغموضه الذي لم يُفك شفرته بعد، إنه وجه الملكة “نفرتيتي”، سيدة النيل التي تربعت على قمة السلطة، ثم توارت فجأة عن الأنظار، تاركةً خلفها واحدًا من أعظم الألغاز الأثرية في التاريخ.
اختفاء خلف ستار الصمت
”نفرتيتي” التي يعني اسمها “الجميلة أتت”، لم تكن مجرد زوجة للملك الثائر “إخناتون”، بل كانت شريكةً في الحكم وقوةً سياسية ودينية هزت أركان المعابد القديمة، لكن، فجأة، انقطع ذكرها في السجلات التاريخية بعد السنة الثانية عشرة من حكم زوجها، وكأن الأرض انشقت وابتلعت أقوى نساء عصرها.
نظريات بين “المنفى” و”عرش الرجال”
تتعدد الروايات التي حاولت تفسير هذا الغياب المفاجئ، وأبرزها عزلة الحزن، يرى البعض أنها اعتزلت الحياة العامة غرقًا في بحر من الحزن بعد وفاة إحدى بناتها الست.
تقول فرضية أخرى إن “إخناتون” أبعدها لعدم إنجابها وريثًا ذكرًا، لكن هذه النظرية تصطدم بقوة شخصيتها التي جعلتها تُصور في النقوش بحجم الفرعون نفسه.
وتذهب النظريات الحديثة إلى أبعد من ذلك، إذ يرجح علماء مثل “جاكوبوس فان ديك” أن نفرتيتي لم تختفِ، بل غيرت اسمها وشخصيتها لتصبح “حاكمًا مشاركًا” بمرتبة فرعون، لتنتقل مهام “الملكة القرينة” إلى ابنتها الكبرى.
الأيقونة الضائعة والكنز المهرب
ظل اسم نفرتيتي طي النسيان لقرون، حتى ديسمبر 1912، حين أزاح عالم الآثار الألماني “لودفيج بورشاردت” التراب عن تمثالها النصفي الأسطوري في ورشة فنان بالعمارنة، هذا الاكتشاف أشعل معركة دبلوماسية لم تنتهِ فصولها بعد، فقد هُرب التمثال سرًا إلى ألمانيا، ليرفض “بورشاردت” والسلطات الألمانية كل المحاولات المصرية لاستعادة “أيقونة الجمال”، وسط أساطير تروج عن “لعنة نفرتيتي” التي قد تلاحق كل من يقترب من سرها.
شريكة الثورة الدينية
لم تكن نفرتيتي مجرد وجه جميل بـ “رقبة البجعة” الشهيرة، بل كانت المحرك الأساسي لثورة التوحيد الأولى، في دين “آتون” الجديد، لم يظهر الملك كمنفرد، بل شكل مع نفرتيتي و”آتون” ثالوثًا ملكيًا مقدسًا ينقل البركات للشعب، لقد بلغت قوتها حدًا جعلها تُنحت وهي تضرب الأعداء بالصولجان وهو مشهد كان حكرًا على الفراعنة الرجال بل وصُوّرت كحامية لتابوت زوجها، وهو دور مخصص للآلهة الإناث مثل “إيزيس”.
المصير المجهول.. أين المومياء؟
رغم كل الكنوز التي خرجت من رمال مصر، تبقى “مومياء نفرتيتي” هي الكنز المفقود، فلا يزال مكان دفنها مجهولاً، مما يضفي هالة من القدسية والغموض على قصتها، هل دُفنت في سرداب سري خلف جدران مقبرة توت عنخ آمون؟ أم أنها ترقد في مكان ما تحت رمال العمارنة بانتظار من يعيدها للحياة؟
نقلاً عن : الجمهور الاخباري

تعليقات