يعيد المركز القومي للترجمة تقديم واحد من أكثر الأعمال قدرة على إثارة الجدل الفكري وإعادة ترتيب العلاقة بين العقل والنص. في إصدار يجمع بين التراث والدراسة النقدية، يبرز كتاب “تفسير سفر الأمثال وشرحه بالعربية” لسعديا جاؤون بن يوسف الفيومي، بترجمة وتحقيق دقيقين قدمهما الدكتور أحمد محمود هويدي، ليكشف مساحات من التأويل لطالما بقيت خارج الضوء.
عندما يتحول النص إلى ساحة اختبار للعقل
لا يتعامل سعديا جاؤون مع سفر الأمثال باعتباره مجموعة وصايا جاهزة، بل يقرأه بوصفه “كتاب طلب الحكمة”. هذا التوصيف لم يأتِ من فراغ؛ فالمؤلف يضع خمس دعائم يعتبرها أساس بلوغ الحكمة، مستخدمًا منهجًا يكشف اتساع تكوينه الكلامي وقدرته على تحليل النص وفق قواعد يجمع فيها بين العقل والرواية دون صدام بينهما.
ورغم اعتماده مبدأ النقل في تأسيس تلك الدعائم، إلا أن نصّه يشي بانحياز واضح لتقدّم العقل على الطبع، وهو ما يعكس أثر الفكر المعتزلي في رؤيته، إذ يصرّ على إخضاع المسائل العقائدية للبرهان العقلي أولًا.
إعادة رسم للخريطة الدينية والفكرية
يقدم سعديا قراءة غير مألوفة في سياق التقاليد اليهودية؛ فهو يمنح داود وسليمان لقب “نبيَّين” رغم عدم شيوع ذلك في النصوص اليهودية التقليدية. كما يتجنب عمدًا استخدام مصطلح اليهود في مقابل المسلمين، موجّهًا اهتمامه إلى الحديث عن فئات مثل الملحدين والبرهمة والدهريين، في محاولة لتجاوز التقسيمات الطائفية المعتادة وبناء أفق فكري أوسع لعصره.
مشروع يتجاوز الشرح إلى إعادة التأسيس
لم يكن سعديا جاؤون مجرّد مترجم أو شارح للنصوص، بل صاحب مشروع متكامل ترك فيه تفاسير عربية لأسفار التوراة الخمسة، والأمثال، والمزامير، والجامعة، وأيوب. ويبرهن هذا المشروع على قدرة النص الديني حين يُقرأ بوعي على التوفيق بين قدسيته من جهة وضرورات العقل من جهة أخرى.
نقلاً عن : الجمهور الاخباري

تعليقات