من قلب صعيد مصر من محافظة قنا ومن داخل أحد منازل قرية الجبلاو، وتحديدًا في الثالثة فجرًا حيث الهدوء والسكون والظلام الدامس، جاءت الاستغاثة؛ سيدة داهمتها آلام المخاض بلا مقدمات، احتشد حولها أفراد أسرتها يشدون من أزرها ويساندونها، وفيما بينهم أخذوا يتهامسون: “هنتصرف إزاي ونروح فين الساعة ٣ الفجر؟”.
ولادة في الفجرية.. الاطقم الإسعافية تنقذ حياة أم مصرية من قلب الصعيد
بأيادٍ مترددة غير واثقة استل الزوج هاتفه وضغط ثلاثة أرقام متعاقبة 123، وأخذ يطرح بياناته وعنوانه، وعيون باقي الأسرة ترمقه بذات النظرات التي تُبدي تشككها في فائدة طلب الإسعاف في ذلك التوقيت.
أنهى الزوج مكالمته وهو يستعد لخطة بديلة لنقل زوجته التي اشتدت عليها آلام المخاض بوتيرة أكبر، وبدأت الأجواء يشوبها مزيج من القلق والعجز.
تبددت تلك الأجواء وتلاشت غيامة القلق مع رنين هاتف الزوج ليبادره صوت المسعف محمد كامل بعبارة مقتضبة: “الإسعاف المصري معاك، إحنا لحظات ونبقى عندك، أوصفلي مكانك بدقة”. للحظات عجز الزوج عن الرد وهو يستجمع قواه مرة أخرى بعد أن ساورته الشكوك في جدوى تلك الأرقام الثلاث التي بادر لطلبها، واسترسل الزوج في وصف عنوانه بدقة للمسعف، وما هي إلا لحظات وقد تبدد ظلام قرية الجبلاو بفعل أضواء فنار سيارة الإسعاف التي شقت طريقها عبر منازل القرية صوب موقع الاستغاثة.
وصل رجال الإسعاف محمد كامل محمد وزميله عبد الإمام مبارك للمنزل، وقادهما الزوج مباشرة صوب غرفة الزوجة التي طغى أنينها على المشهد ولا صوت يعلو حرفيًا فوق صوتها، وتجمد المشهد على مقولة أحد أفراد أسرتها: “الحقوها دي بتولد”. وبالفعل كانت السيدة قد بدأت في وضع مولودها، وعاودت أجواء القلق المشوبة بالتوتر في الظهور.
وبكل رزانة وهدوء بدأ المسعف محمد كامل في طمأنة الزوجة وحثها على تنظيم أنفاسها وتوجيهها للولادة بشكل طبيعي، وبالفعل وضعت السيدة جنينها ليبدأ المسعف في تجفيف الطفل وتحفيزه، وإزالة أي سوائل قد تعوق تنفسه بشكل طبيعي، كما تأكد من انتظام العلامات الحيوية للسيدة وجنينها، كل ذلك في ظل سيل من كلمات الشكر والثناء من أسرة السيدة وزوجها لرجال الإسعاف الذين شغلتهم حالة السيدة والاطمئنان على الجنين عن الرد على تلك العبارات. وفور ذلك أصر رجال الإسعاف على اصطحاب السيدة وجنينها صوب مستشفى قنا العام للاطمئنان عليها وعلى الجنين.
رحل رجال الإسعاف بعد أن اطمأنوا على الحالة الصحية للسيدة وجنينها داخل المستشفى، رحلوا وقد تركوا الزوج يموج في بحر أفكاره حول تلك التجربة التي مر بها ورجال الإسعاف المصري الذين ساقهم القدر لكي يؤازروه في ذلك الموقف العصيب.
وتظل مصر هي ميدان العمل، وتظل كل صرخة أنين أو ألم هي الإشارة والمحرك، ويظل رجال الإسعاف هم ملائكة الطرق المصرية يجوبونها ليل نهار للزود عن حياة أبناء مصر ضد أي عارض صحي قد يداهمهم.
نقلاً عن : الجمهور الاخباري

تعليقات