أثار تطبيق جديد يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي موجة واسعة من الجدل بعد انتشاره السريع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتيح للمستخدمين إنشاء تجسيدات رقمية لأحبائهم الراحلين والدخول في محادثات معهم، وهو ما دفع كثيرين للتساؤل حول الحدود الأخلاقية والإنسانية لهذا النوع من التكنولوجيا. وقد ظهر في فيديو ترويجي للتطبيق نموذج افتراضي لأم راحلة تقدّم نصائح لابنتها، ثم تظهر تقرأ قصة لحفيدها الذي يكبر مع مرور الزمن، الأمر الذي أثار تساؤلات عميقة تتعلق بالحزن والخصوصية والتمثيل الرقمي للأشخاص بعد وفاتهم.
فكرة التطبيق وبنية التجربة الرقمية
تعتمد فكرة التطبيق على تمكين المستخدمين من التفاعل أو الدردشة مع نسخ افتراضية لأشخاص متوفين من خلال نماذج ذكاء اصطناعي تُبنى على كم كبير من البيانات الشخصية، مثل الرسائل النصية والصوتية والصور والمنشورات القديمة عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
والهدف المعلن أمام الجمهور هو توفير مساحة للتذكّر أو منح نوع من العزاء للمستخدمين الذين فقدوا أحد المقربين، عبر محاكاة صفاته وطريقة حديثه وسلوكه اللغوي.
ويؤكد مطورو هذه النوعية من التطبيقات أن التجربة لا تهدف إلى “استنساخ” الشخص بقدر ما تهدف إلى إعادة تجميع ملامح رقمية تعكس بعض الجوانب الإنسانية التي ارتبط بها المستخدم خلال حياته.
آلية العمل وتقنيات البناء الصوتي واللغوي
يعمل التطبيق عبر جمع بيانات واسعة يوفرها المستخدم بشكل مباشر، تبدأ من تحميل المحادثات القديمة والرسائل النصية والتسجيلات الصوتية والصور، وقد تمتد أحيانًا إلى الحصول على بيانات من الحسابات الاجتماعية للشخص المتوفى، وذلك لبناء صورة دقيقة لطريقته في التعبير.
وتُستخدم هذه البيانات لتخصيص نموذج لغوي قادر على محاكاة الأسلوب والردود المحتملة، فيما تلجأ التطبيقات الأكثر تطورًا إلى تقنيات تحويل النص إلى كلام لإنتاج صوت قريب من المتوفى في حال توافرت عينات كافية.
وغالبًا ما يدعم التطبيق واجهة دردشة بسيطة تسمح للمستخدم باختيار الذكريات أو طرح الأسئلة، ما يخلق نوعًا من التواصل التفاعلي بين المستخدم والنسخة الافتراضية.
دوافع المستخدمين وتجارب متباينة
يلجأ البعض لاستخدام هذه التطبيقات بحثًا عن شعور بالعزاء أو محاولة لاجتياز الحزن بعد فقدان شخص عزيز، بينما يدخل آخرون من باب الفضول أو للاستفادة من تجربة تقنية جديدة تتيح الحفاظ على الذكريات بطريقة أكثر تفاعلية من الأرشيف التقليدي.
وتختلف حالات التفاعل مع هذه التجارب بشكل كبير؛ فهناك من يصفها بأنها مؤثرة وتساعد على استعادة الذكريات أو إكمال مسار الحزن، في حين يجد آخرون أنها تجربة مُربِكة أو غير مريحة لأنها تستحضر “صوت” أو “أسلوب” شخص لم يعد موجودًا، وهو ما يخلق فجوة بين الحقيقة والتمثيل الرقمي.
تحديات أخلاقية ونفسية واستغلال محتمل
أثارت هذه التطبيقات نقاشًا واسعًا داخل الأوساط الأخلاقية والإعلامية، لكونها قد تستغل مشاعر الحزن من خلال خدمات مدفوعة مثل الاشتراكات أو شراء أصوات رقمية.
كما يحذّر مختصون من إمكانية تحول البعض للاعتماد المَرَضي على النسخ الرقمية بدلًا من تقبّل الفقد، فضلًا عن إشكالية “إعادة خلق الموافقة”، إذ أن أغلب المتوفين لم يبدوا موافقة مسبقة على استخدام بياناتهم الشخصية بطريقة كهذه.
وهناك أيضًا مخاوف تتعلق بخصوصية البيانات وطريقة تخزينها وإمكانية تسريبها أو إساءة التعامل معها، بالإضافة إلى احتمالات تعرّض أفراد الأسرة للانتهاك العاطفي إذا استُخدمت بيانات قريبهم المتوفى دون علمهم.
أبعاد قانونية ونماذج ربحية غير واضحة
من الناحية القانونية، تتقاطع هذه التطبيقات مع قوانين حماية البيانات وحقوق الملكية الفكرية، إلا أن التشريعات في معظم الدول لا تزال تفتقر إلى نصوص صريحة تنظم تمثيل المتوفى بالذكاء الاصطناعي.
وتبرز إشكاليات ملكية النسخة الرقمية وإمكانية توريثها أو استخدامها بطرق غير لائقة قد تؤدي إلى دعاوى تشهير أو إساءة تمثيل.
كما تعتمد هذه الخدمات على نماذج ربحية متنوعة تشمل الاشتراكات وبيع الأصوات وتخزين البيانات طويلة الأمد، ما يجعل الحذر ضرورة عند التعامل معها.
رؤية الخبراء وتوصيات التعامل الواعي
يحذّر خبراء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي من ضرورة وضع قواعد واضحة لاستخدام بيانات المتوفى، مع التأكيد على أهمية وجود موافقة مسبقة عندما يكون ذلك ممكنًا.
فيما يشير أطباء نفسيون إلى أن التجربة قد تُسبب ضررًا للبعض، خاصة لمن يعانون من اكتئاب أو من هم في المراحل الأولى من الحزن، بينما يوصي القانونيون بوضع تشريعات تنظم جمع البيانات واستخدامها لحماية حقوق الشخص والأسرة.
وتختلف الخدمات المتاحة بين شركات تجارية ومشاريع بحثية مثل HereAfter AI وReplika التي تركز على الذكريات أو تسجيلات الأجداد بدلًا من إعادة حياة كاملة بصورة رقمية.
وفي النهاية، تبقى هذه التقنية مجالًا واعدًا لكنه يحمل تحديات أخلاقية ونفسية عميقة، ما يستدعي وعيًا أكبر في التعامل معها وحرصًا على قراءة سياسات الخصوصية والتأكد من حدود استخدام البيانات قبل الانخراط في أي تجربة مماثلة.
نقلاً عن : الجمهور الاخباري

تعليقات