منذ أكثر من ٥٠٠ عام، تقف أجندة الدولة السويسرية على ركيزتين أساسيتين؛ “الحياد العسكري”، و”مراكمة المال”.
وفي ظل التوترات العسكرية المستمرة في القارة العجوز، فإن الصدام بين هذه القيم، بالإضافة إلى المخاوف من أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يشكل خطرا على أوروبا بأكملها، يدفع البلاد إلى إعادة النظر في موقفها الدفاعي، وفقا لما نشرته مجلة “بوليتيكو” الأمريكية.
التفاصيل جاءت في تقرير مفاجئ، صدر يوم الخميس، أوصت فيه مجموعة من الخبراء، الحكومة السويسرية بأن البلد التي حافظت على الحياد منذ عام 1515، يجب أن تعمل على بناء “قدرة دفاعية مشتركة” مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
التقرير ذكر أنه “منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا، أصبح الحياد مرة أخرى موضوعًا للنقاش السياسي، سواء في الداخل أو الخارج. ويتزايد الضغط على سويسرا لتوضيح موقفها”.
ووفق “بوليتيكو”، دعا تقرير الخبراء الذي شمل دبلوماسيين ومسؤولين رفيعي المستوى وقائد سابق للجيش السويسري وفولفغانغ إيشينغر، المدير السابق لمؤتمر ميونيخ للأمن، سويسرا إلى “مراجعة” سياستها الحيادية.
وتتعدد العوامل التي تدفع إلى هذا الاتجاه المغاير لمسار الخمسة قرون، من بينها؛ كيفية تأثير حياد سويسرا على مبيعات الأسلحة.
فيما يتمثل العامل الآخر في كيفية الدفاع بشكل أفضل عن بلد محاط بمجموعتين لا ينتمي إليهما.
كما تشكل الاضطرابات السياسية المحتملة علامة أخرى على الكيفية التي تغير بهاالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، المشهد الأمني في أوروبا. إذ دفعت الحرب الأوكرانية السويد وفنلندا، إلى التخلي عن حيادهما والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
إلى ذلك، سلم الخبراء الذين أعدوا التقرير نتائجهم إلى وزيرة الدفاع والأمن السويسرية فيولا أمهرد، التي تشغل أيضًا منصب رئيس الاتحاد السويسري لعام 2024.
وعليه، ستساهم التوصيات في صياغة استراتيجية سويسرا الأمنية لعام 2025، بحسب “بوليتيكو”.
“قيود الأسلحة”
من جانب آخر، انخفضت صادرات سويسرا من الأسلحة العام الماضي بنسبة 27% إلى أقل من 700 مليون فرنك سويسري (746 مليون يورو) مقارنة بعام 2022.
ويرجع سبب الانخفاض إلى أحكام تصدير الأسلحة الصارمة. إذ تحظر برن بيع الأسلحة إلى الدول في حالة حرب، وكان لذلك تأثير مضاعف على العلاقات مع الدول الأخرى التي ترغب في إرسال أسلحة تشمل مكونات سويسرية، إلى أوكرانيا.
ومنعت سويسرا تسليم الأسلحة والذخيرة إلى أوكرانيا من عدة دول أوروبية، واستغرق الأمر شهوراً من الضغوط حتى وافقت سويسرا على شحن الفائض من دبابات ليوبارد إلى ألمانيا لتحل محل تلك التي أرسلت إلى أوكرانيا.
الرفض السويسري للسماح بإرسال الذخيرة المصنوعة في سويسرا والموجودة في مخازن ألمانيا إلى أوكرانيا لاستخدامها في أنظمة جيبارد المضادة للطائرات، ساعد في دفع شركة راينميتال الألمانية لصناعة الأسلحة إلى تعزيز إنتاج الذخيرة في ألمانيا.
وفي السياق، يدعو تقرير الخبراء إلى “رفع حظر إعادة التصدير”، وفق “بوليتيكو”.
ويريد الخبراء أيضًا تعزيز صناعة الأسلحة السويسرية من خلال تعزيز سياسات التعويض وتعزيز إمكانية الوصول إلى برامج التسلح التابعة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
“مثير للجدل”
التقرير أثار جدلا واسعا حتى قبل نشره، إذ اتهمت أحزاب المعارضة، أمهرد، بتعيين المتحمسين لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي، في لجنة الخبراء.
ومن جانب آخر، من المرجح أن يواجه التقرير مقاومة في البرلمان السويسري، وخاصة من الأحزاب اليسارية واليمين القومي المتطرف.
فعلى أرض الواقع، تتعرض أمهرد بالفعل لانتقادات شديدة بسبب العلاقات الوثيقة بشكل متزايد بين البلاد وحلف الناتو.
وفي السياق، قال جان مارك ريكلي، رئيس قسم المخاطر العالمية والناشئة في مركز جنيف للسياسة الأمنية، إن “التقرير يوضح أن سويسرا دولة غربية وبالتالي فهي تدعم القيم الغربية”.
وأضاف أن “الدعوات إلى زيادة التعاون العسكري مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي من المرجح للغاية أن تثير الكثير من الجدل داخل سويسرا”.
“استعدادات شاملة”
وبالتدقيق في التقرير، لم يذهب الخبراء إلى حد اقتراح إلغاء سويسرا لحيادها بالكامل والانضمام إلى حلف “الناتو”، وفق “بوليتيكو”.
لكنهم يحثون على إقامة علاقات أعمق مع الناتو والاتحاد الأوروبي بشأن التدريب المشترك والدفاع ضد الصواريخ الباليستية والتدريبات الثنائية والمتعددة الأطراف.
ويدعو التقرير أيضا إلى أن يصل الإنفاق العسكري إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
وفي هذه النقطة، تنفق سويسرا حاليا 0.76% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو أقل بكثير من أي عضو في حلف “الناتو” باستثناء أيسلندا التي لا تمتلك جيشا.
التقرير قال بوضوح: “على الرغم من أنه من غير المرجح أن تتعرض سويسرا للغزو، إلا أن البلاد بالفعل هدف لحرب هجينة تشمل التضليل والتجسس والهجمات الإلكترونية”.
ويوصي الخبراء، بالتحرك نحو “الدفاع العالمي”، أي إعداد المجتمع بأكمله، وليس فقط الجيش، للصراع المحتمل.
“علاقات ودودة”
وخلال الأشهر الماضية، أبدى المجلس الفيدرالي السويسري، الذي يدير البلاد، استعداده للتعاون مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في ما يتصل بالأمن والدفاع.
ويوم الأربعاء، سافر وفد سويسري إلى لوكسمبورغ للقاء وكالة الدعم والمشتريات التابعة لحلف شمال الأطلسي (NSPA).
ووفقا لـ”بوليتيكو”، كان أحد أهداف الاجتماع تقييم أوجه التآزر والفرص المحتملة للتعاون مع الوكالة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وافق المجلس الاتحادي أيضًا على المشاركة في اثنين من مشاريع التعاون الهيكلي الدائم للاتحاد الأوروبي (PESCO)، أحدهما يتعلق بالتنقل العسكري الذي يهدف إلى تسهيل عبور الحدود والآخر يتعلق بالدفاع السيبراني.
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية