وطنيتنا بدون مُقابل

وطنيتنا بدون مُقابل

مشعل العتيبي

كاتب صحفي مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي

كلنا رأى تلك المرأة السعودية التي خرجت ورفعت العصا تعبيرا عن فرحتها، وبعد ذلك غرّد المستشار تركي آل الشيخ:  “والله تستاهلين يا أمي الجائزة، مبروك وبقى ٣ سيارات”.

كتبت هذا المقال بعد إعجاب والدتي الكبيرة في السن بهذا المشهد، حيث حاولت أن أشرح لها أن هذه المشاهد ضمن فعالية مرتبطة بموسم الرياض، وقد حصلت هذه المرأة المُسنّة على سيّارة .

وبكل عفوية قالت والدتي: إن هذا الكلام غير صحيح، وأن هذه المرأة خرجت لتُشاهد الشعار المطبوع على الطائرة، والذي يمثّل المملكة، وأن تلك الفرحة هي تجسيد للفرح بتوحيد بلادنا الكبيرة، وبناء هذا الكيان العظيم، والشعور بالأمن والاطمئنان، حيث كانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت شعوب وقبائل متناحرة ينعدم فيها الأمن، وأضافت والدتي: وأنا أعرف شعورها جيدا، أعز الله الملك عبد العزيز وأبناءه من بعده .

وأضافت قائلة  بلهجتها العفوية: “هذا الشعار اللي يستاهل، من يطلع له ويشوفه”، وهي تعني شعار المملكة العربية السعودية الاخضر المطبوع على هيكل الطائرة الخارجي.

توقفت أنا للحظات وأنا أتامل المشهد وأحاول ربطه بحديث والدتي العفوي، فوجدت أن العُمق التاريخي لهذا الشعار يستحق الوقوف عنده وتحيته، وأخذت أمي تحكي لي قصة اللون الأخضر، وشعار السعودية الذي ارتبط بعمق في ذاكرتهم بالأمن والآمان، وقالت بالحرف الواحد: “من ينسى هذا الشعار سوف ينسى الخير”.

واستطردت تقول وهي تحمل في حديثها ذاكرة السنين القديمة إلى ما قبل 70 عاما حيث تقول: “من يوم عرفت العلم وحنا نحب الشعار هذا، وما شفنا منه إلا الطمأنينة والخير في كل مكان، الله يعزه ولا يعز عليه” .

وبعد أن أنهت حديثها، حاولت أن أجمع الأحداث عبر نظرة شمولية واسعة لما كان عليه وضعنا قبل توحيد المملكة وقبل ظهور “شعار المملكة” الذي خطف عقل وذاكرة أمي الكبيرة في السن، فلم اجد صعوبة في فهم الحال الاجتماعي أنذاك، وكيف كان ثم كيف صار، حيث حل العلم محل الأمية، وانتشر الأمن الذي بدونه لا تقوم الأمم وحل مكان الفرقة والتنازع والخوف .

عندها أنهيت حديثي مع والدتي وقلت إن من يتحدث عن الجوائز كدافع أساسي وراء خروج الناس للاحتفال، فإنه يحاول تحريف الحقائق وتقليل شأن الاحتفالات الوطنية، فهل يُعقل أن يتحرك هذا الكم الهائل من الناس بدافع المادة فقط؟، إن هذا التفسير يقلل من قيمة المشاعر الوطنية التي تحركت.

إن محاولة البعض تفسير الاحتفالات الشعبية بدافع المصلحة الشخصية هو أمر مستهجن ومرفوض، فالشعب السعودي أثبت مراراً وتكراراً أنه شعب واعٍ ومخلص لوطنه، ولا يمكن أن ينحدر إلى مثل هذه التهم الباطلة، إن هذه الاحتفالات كانت تعبيراً عن فخرنا بهويتنا الوطنية، وليس مجرد سباق للفوز بجائزة.”

ولا أجد افضل من تمثيل الحال بعد حديث والدتي، وقصة المرأة، وشعار المملكة، إلا بما قاله المؤسس الملك عبد العزيز، عندما أضاف كلمة “فوق” بدلاً من “مثلما” في البيت العربي الشهير:

لسنا وأن كرمت أوائلنا

‏يوما على الأنساب نتكل

‏نبني كما كانت أوائلنا

‏تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا

تم نشر هذه المقالة وطنيتنا بدون مُقابل للمرة الأولي علي الوئام.

المصدر: صحيفة الوئام السعودية

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *