
خيمت حالة من الحزن العميق في الأوساط الدينية والعلمية بعد رحيل الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وأحد أبرز علماء الحديث في العالم الإسلامي، الذي وافته المنية بعد رحلة حافلة بالعطاء العلمي والدعوي امتدت لعقود طويلة.
وفي مشهد مؤثر يليق بمكانته، كشف أحد أفراد أسرته عن وصيته الأخيرة التي أوصى بتنفيذها عقب وفاته، حيث طلب أن يُكفَّن في كسوة مهداة له من أشراف المدينة المنورة، منقوش عليها سورة “يس”، كان يحتفظ بها منذ سنوات طويلة بعد خروجه من أحد المستشفيات، معتبرًا إياها رمزًا للبركة والصفاء الروحي.
تنفيذ الوصية ونقل الجثمان إلى الشرقية
ووفقًا لما أكدته الأسرة، فقد تم تنفيذ الوصية بحذافيرها فور إعلان الوفاة، حيث جرى لف الجثمان الطاهر بالكسوة التي زُينت بالآيات القرآنية، قبل نقله من القاهرة إلى محافظة الشرقية مسقط رأسه.
ووصل جثمان الدكتور أحمد عمر هاشم إلى الجامع الأزهر الشريف صباح اليوم، حيث تمت الصلاة عليه عقب صلاة الظهر، في مشهد مهيب شهد حضور عدد كبير من العلماء وطلاب الأزهر والمحبين، قبل أن يُشيّع الجثمان إلى مثواه الأخير في مدافن العائلة بالساحة الهاشمية بقرية بني عامر، مركز الزقازيق.
ومن المقرر أن يُقام العزاء اليوم بالساحة الهاشمية في الشرقية، على أن يُستقبل المعزون يوم الخميس في القاهرة.
وصايا روحانية ودروس في الإخلاص
وأوضح أحد المقربين من الشيخ الراحل أن الدكتور أحمد عمر هاشم كان دائم الوصية لأبنائه وتلاميذه بـ صلة الرحم، وتقوى الله، والتمسك بدين الإسلام قولًا وعملًا، وكان يردد دائمًا أن الإخلاص في العمل هو طريق النجاة في الدنيا والآخرة.
وأضاف المصدر أن العالم الجليل كان يستشعر دائمًا قرب رحيله، فكان يقول: “اللهم اجعل لقائي بك لقاءً محمودًا”، مشيرًا إلى أنه كان قد أوصى قبل فترة بتجهيز لحده بنفسه، مؤمنًا بلقاء ربه في أي وقت.
ورغم تكرار الشائعات في السنوات الأخيرة حول حالته الصحية، فإن الدكتور هاشم كان دائم الطُمَأنينة، يواجه تلك الأخبار بابتسامة هادئة وإيمان راسخ، مؤكدًا لمن حوله أن الموت حق وأن الاستعداد له بالعمل الصالح هو الغاية الأسمى.
رحلة علمية زاخرة بالعطاء
ولد الدكتور أحمد عمر هاشم في 6 فبراير عام 1941 بقرية بني عامر بمحافظة الشرقية، وتخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1961، ثم حصل على الإجازة العالية في الحديث وعلومه عام 1967، وواصل مسيرته العلمية حتى نال درجة الماجستير عام 1969 والدكتوراه في الحديث الشريف وعلومه، ليصبح أحد أبرز المتخصصين في السنة النبوية.
وفي عام 1983 نال درجة الأستاذية بكلية أصول الدين، قبل أن يتولى عدة مناصب قيادية داخل جامعة الأزهر، أبرزها رئاسة جامعة الأزهر عام 1995، كما شغل عضوية مجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إضافة إلى عضويته في مجلسي الشعب والشورى خلال فترات مختلفة.
إرث علمي وإنساني خالد
لم يكن الدكتور أحمد عمر هاشم مجرد أكاديمي بارع، بل كان داعية محبوبًا وصوتًا معتدلًا في الخطاب الديني، استطاع أن يجمع بين عمق العلم وبساطة التفسير، فترك بصمة مميزة في قلوب ملايين المسلمين داخل مصر وخارجها.
تُزين المكتبات العربية والإسلامية بعشرات مؤلفاته في علوم الحديث والسنة النبوية، والتي ما زالت تُدرّس في الجامعات والمعاهد الدينية حتى اليوم، كما شارك في مؤتمرات دولية عدة، وكان ممثلًا للأزهر الشريف في العديد من المحافل الإسلامية والعلمية.
وفي عام 2012 (1433هـ)، تم اختياره ضمن التشكيل الأول لهيئة كبار العلماء بعد إحيائها، تقديرًا لعطائه العلمي ومكانته بين كبار العلماء.
وداع بحجم المكانة
برحيله، فقدت مصر والأمة الإسلامية أحد رموز الوسطية والاعتدال، وعالمًا جليلًا عاش عمره في خدمة القرآن والسنة، أما وصيته الأخيرة، فكانت امتدادًا لطهارة روحه وصدق إيمانه، إذ أراد أن يرحل ملفوفًا بآيات الله كما عاش يدعو إليها، لتبقى ذكراه الطيبة حاضرة في قلوب كل من عرفه وتعلم منه.
نقلاً عن : الجمهور الاخباري
تعليقات