يعترف الدبلوماسيون الأمريكيون والصينيون بأن المحادثات بين واشنطن وبكين ليست سهلة أبدا، ومع ذلك تبقى هناك مساحة يحكمها السياق والتوقيت
ففي محاولة أخرى للعمل مع الصين في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس جو بايدن، وصل مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك ساليفان، إلى بكين، أمس الثلاثاء، في أول زيارة لمسؤول أمريكي في هذا المنصب، منذ سنوات لخفض التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم.
وتأتي رحلة سوليفان إلى بكين، بعد زيارات قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين، ومسؤولون آخرون، منذ أعادت الولايات المتحدة والصين تفعيل الدبلوماسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
ويقول مراقبون إن محادثات سوليفان مع المسؤولين الصينيين التي تستمر حتى يوم غد الخميس، تشير إلى أن بكين لا تزال تشكل أولوية لإدارة بايدن، حتى مع دخول الرئيس أشهره الأخيرة في منصبه.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض للصحفيين، يوم الجمعة الماضي، إن هدف الزيارة كان “توضيح المفاهيم الخاطئة وتجنب تحول هذه المنافسة إلى صراع”.
وبدأ مستشار الأمن القومي الأمريكي اجتماعه الخامس في أقل من 18 شهرا مع المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية الصينية، وانغ يي.
وقبل لقاء الأمس، التقى الرجلان أربع مرات على مدى 16 شهرا في فيينا ومالطا وواشنطن وبانكوك. وكان آخر اجتماع لهما في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد وقت قصير من قمة عالية المخاطر بين الرئيسين شي جين بينغ وجو بايدن والتي سعت إلى إعادة ضبط العلاقات الفاترة.
ووفق ما طالعته “العين الإخبارية” في وسائل إعلام أمريكية فإن البيت الأبيض يحاول عدم ربط رحلة سوليفان بالانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، بشكل صريح. لكن من الصعب تجاهل التوقيت.
فإذا تمكن سوليفان من وضع الأساس لقمة نهائية بين بايدن وشي، فإن رحلته من شأنها أن تربط طرفي علاقة السياسة الخارجية الأكثر أهمية – وأكثرها خطورة – للرئيس الأمريكي.
ماذا تريد واشنطن من الزيارة؟
مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقول إن المسؤولين الأمريكيين يهدفون إلى تحقيق بعض التقدم الإضافي في مجالات محددة من التعاون قبل نهاية ولاية بايدن.
ففي الأسابيع القليلة الماضية، زار مسؤولون صينيون واشنطن لمناقشة الفنتانيل، وسافر مسؤولون من وزارة الخزانة الأمريكية إلى شنغهاي.
ومن المتوقع أن يقوم جون بوديستا، مبعوث بايدن الدولي للمناخ، بزيارة إلى الصين قريبًا أيضا.
وانتقد الجمهوريون محادثات إدارة بايدن مع الصين ووصفوها بأنها جهد ضائع وأداء دبلوماسي بلا مضمون.
ورغم ذلك، أثمرت الدبلوماسية بعض الثمار للولايات المتحدة: فقد التزمت الصين بتحديد أهداف مناخية أكثر شمولا ومعالجة الانبعاثات القوية غير الكربونية، وفرضت إجراءات صارمة على ثلاثة مواد أولية للفنتانيل، وأعادت الاتصالات بين الجيشين.
ولكن ما لم يتضح بعد- وفق المجلة- هو ما اكتسبته بكين من الدبلوماسية. ففي عام 2022، كانت بكين متحفزة لإعادة التواصل مع الولايات المتحدة جزئيا على الأقل على أمل دعم اقتصادها المتعثر.
ومع ذلك، فإن الاجتماعات مع واشنطن لم توفر بالضبط شريان حياة اقتصادي. فقد حافظت إدارة بايدن على التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب وفرضت قيودا جديدة على صادرات التكنولوجيا إلى الصين.
ومع ذلك، فقد وفرت الاجتماعات مزيدا من الاستقرار للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما تقدره بكين، بحسب خبراء تحدثوا لمجلة “فورين بوليسي”.
وفي هذا الصدد، يقول يون صن، مدير الصين في مركز ستيمسون، مشيرا إلى الاتصالات العسكرية المتجددة كمثال واحد على تحسن الاستقرار: “لا أعتقد أنهم يرون ذلك فشلا لأنه مهما كان الأمر، فإنه لا يزال أفضل من سنوات ترامب، أليس كذلك؟ لم يكن هناك سقوط حر”.
ماذا تريد الصين من الزيارة؟
مع التحول غير المتوقع الذي اتخذته الانتخابات الأمريكية بخروج بايدن لصالح نائبته كامالا هاريس، تراقب الصين عن كثب ما قد تخبئه الرئاسة المقبلة في الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد صرح بأنه سيرفع التعريفات الجمركية بشكل أكبر على السلع الصينية، مما قد يؤدي إلى تعميق الحرب التجارية التي بدأها في عام 2019.
في حين عزز بايدن التحالفات في جميع أنحاء آسيا لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد وكذلك الوجود العسكري لواشنطن، الأمر الذي أزعج بكين.
وحتى الآن، لم تقدم حملة هاريس الكثير من المؤشرات حول كيفية تخطيطها لإدارة العلاقة مع الصين.
لكن البيت الأبيض أوضح أن زيارة سوليفان تهدف إلى مواصلة عمل إدارة بايدن، وليس تحديد النغمة للرئيس القادم.
ومع زيارة سوليفان والاجتماع المحتمل بين بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ، في وقت لاحق من هذا العام على هامش قمة مجموعة العشرين أو قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، هل ستحاول بكين تأمين بعض المكاسب الدبلوماسية قبل مواجهة ولاية ثانية محتملة لترامب؟.
في إحاطة إعلامية قبل الرحلة، قال مسؤول بوزارة الخارجية الصينية إن بكين ستواصل البناء على الاجتماعات “الجوهرية والبناءة” مع سوليفان بينما تضغط على واشنطن بشأن مجالات مثيرة للقلق، بما في ذلك “الإجراءات غير المعقولة” التي اتخذتها إدارة بايدن ضد الصين اقتصاديا.
وجاء في بيان الوزارة: “تطالب الصين الولايات المتحدة بالتوقف عن تسييس وتأمين القضايا الاقتصادية والتجارية”.
لكن من المتوقع أن يكون التقدم محدودا. بحسب يون صن، مدير الصين في مركز ستيمسون الذي أشار إلى أنه “في هذه المرحلة، يرى الصينيون أن إدارة بايدن تمسك بالحصن قبل الانتخابات. لذلك أعتقد أن الصينيين أقل حماسا للتفاوض على أي صفقة رئيسية مع الإدارة الحالية ما لم يُعرض عليهم شيء كبير في المقابل”.
وبالنسبة لدا وي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تسينغهوا، فإن الصين تهدف على الأقل إلى الحفاظ على الزخم في العلاقات الثنائية مع تحول المد السياسي في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أنه من غير الواضح ما هو الدور الذي سيلعبه سوليفان، إن وجد، في إدارة هاريس المحتملة، فمن المرجح أن تكون الصين مهتمة أيضا بمواصلة الاستثمار في العلاقة معه شخصيا. بحسب ما طالعته “العيين الإخبارية” في “فورين بوليسي”.
وفي هذه الجزئية، يقول جينج تشيان، المدير الإداري لمركز تحليل الصين التابع لمعهد سياسة جمعية آسيا: “من وجهة نظري، فإن الرأي السائد بين النخب الصينية هو أنه على الرغم من أن الرئيس بايدن قد يقترب من نهاية حياته السياسية، فمن المتوقع أن تستمر سياسة سوليفان ونفوذه السياسي لبعض الوقت”.
وستستغل بكين هذه الفرصة مع سوليفان لتوضيح أولوياتها الخاصة. وستأمل أن تستمع جميع الأطراف في أمريكا، حيث وصفت وزارة الخارجية الصينية هذا بأنه “مفترق طرق حرج” بين أكبر اقتصادين في العالم.
بالنسبة للصين، فإن الخط الأحمر هو تايوان وسيظل دائما. وقالت مرارا وتكرارا إنها لن تتسامح مع أي علامات على أن واشنطن تشجع استقلال الجزيرة.
وقالت وسائل الإعلام الرسمية الصينية إن بكين ستركز على التعبير عن المخاوف الجسيمة، وبيان موقفها، وتقديم مطالب جادة بشأن أمور مثل “قضية تايوان”.
وسوف يكون لدى الصين أيضا بعض الكلمات القوية لسوليفان بشأن التجارة، حيث وصفت بكين الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية بأنها “غير معقولة” وحثت واشنطن على “التوقف عن تسييس القضايا الاقتصادية والتجارية وإضفاء طابع أمني عليها” و”اتخاذ المزيد من التدابير لتسهيل التبادلات بين البلدين”.
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية