شهدت مؤشرات الأسهم الأميركية انتعاشاً في أواخر تعاملات الأسبوع، إذ تجاوز المتداولون البيانات الاقتصادية الصاخبة والشكوك حول واحدة من أكثر الانتخابات المتقاربة في تاريخ الولايات المتحدة للتركيز على قوة الشركات الأميركية.
أوقف مؤشر “إس آند بي 500” (S&P 500) هبوطاً استمر يومين وسط إشارات قوية من الشركات. وقادت أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، التي استقبلت العبء الأكبر من عمليات البيع الأخيرة، الصعود يوم الجمعة. وارتفع سعر سهم “أمازون” بنسبة 6.2% بعد نتائج أعمال قوية. وارتفع سهم “إنتل” بنسبة 7.8% وسط توقعات صعودية. تفوقت أرباح وإنتاج ومبيعات “إكسون موبيل” و”شيفرون” على التقديرات. وارتفع سهم “بوينغ” بنسبة 3.5% وسط تفاؤل بأن الإضراب الطويل يقترب من نهايته. وانخفض سهم “أبل” بنسبة 1.2% بعد توقعات فاترة.
حاولت وول ستريت عدم الغوص كثيراً في البيانات التي أظهرت نمو التوظيف في الولايات المتحدة بأبطأ وتيرة منذ 2020 في أكتوبر بينما ظل معدل البطالة منخفضاً. وتجدر الإشارة إلى أن الأعاصير الشديدة والإضرابات الكبرى أثرت بعنف على دقة البيانات. ويعد تقرير الوظائف هو آخر نقطة بيانات رئيسية قبل اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل والانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر.
قال بريت كينويل من “إي تورو” (eToro): “نحن في خضم فترة مرهقة من البيانات الاقتصادية، ونتائج الأعمال، وبنك الاحتياطي الفيدرالي، والانتخابات الأميركية”، و”كانت هناك بعض التقلبات الإضافية بسبب هذه الأحداث، ولكن حتى الآن لم يغير شيء الصورة الكبيرة. وإلى أن يتغير ذلك، تظل المحركات طويلة المدى للسوق الصاعدة سليمة”.
في الواقع، كان ارتفاع مؤشر “إس آند بي 500” البالغ 20% تقريباً في 2024 حتى نهاية أكتوبر هو الأقوى في عام الانتخابات الرئاسية منذ سنة 1936، وفقاً لاستراتيجيي “بيسبوك انفستمنت غروب” (Bespoke Investment Group). وقالوا إنه على مر التاريخ، فإن المكاسب بهذا الحجم في مثل هذه الفترة أعقبتها نهاية أقوى من المعتاد للعام.
وارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 0.4%، مقلصاً خسائر هذا الأسبوع. صعد مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 0.7%. وأضاف مؤشر داو جونز الصناعي 0.6% لرصيده. ارتفع مؤشر “العظماء السبعة” بنسبة 1.1%.
توقعات خفض الفائدة
ارتفعت عوائد سندات الخزانة، لتعكس الانخفاض السابق. وتمسك المتداولون بتوقعاتهم بخفض صناع السياسات النقدية أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في 7 نوفمبر، ومرة أخرى في 18 ديسمبر، ليصل إجمالي التيسير النقدي المتوقع بحلول نهاية العام إلى 44 نقطة أساس. كما توقعوا خفض إجمالي للفائدة أقل من 60 نقطة أساس بحلول نهاية يناير، مما يشير ضمناً إلى احتمال توقف المسؤولين مؤقتاً عن خفض الفائدة أوائل العام المقبل.
عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات زادت تسع نقاط أساس إلى 4.37%. وارتفع سعر صرف الدولار. تراجعت عمليات البيع الحادة في السندات الحكومية في المملكة المتحدة التي دفعت تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوياتها خلال عام يوم الجمعة، حيث أدى تقرير الوظائف الضعيف في الولايات المتحدة إلى تعزيز الطلب على الديون العالمية.
ارتفعت أسعار النفط وسط تقرير يفيد بأن إيران ربما تستعد لمهاجمة إسرائيل من الأراضي العراقية في الأيام المقبلة، رغم تكبد أسعار الخام خسائر أسبوعية وسط شكوك في أن الحرب ستؤدي إلى تعطيل الإمدادات.
هدوء سوق العمل
تقرير الوظائف غير الواضح يقدم المزيد من الأدلة على أن سوق العمل لا تزال تتراجع عن المستويات المرتفعة التي شهدتها في السنوات القليلة الماضية، ما يدعم موقف مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن تيسير السياسات النقدية التقييدية التي وُضعت بهدف السيطرة على التضخم في الولايات المتحدة.
قالت تيفاني ويلدينغ من “باسيفيك إنفستمنت مانجمنت”: “ما زلنا نعتقد أن الاحتياطي الفيدرالي سيتبع وتيرة تدريجية لخفض الفائدة، بما في ذلك 25 نقطة أساس الأسبوع المقبل وربما على الأرجح 25 نقطة أساس أخرى في ديسمبر”، و”في حين أن الاقتصاد الأميركي كان متماسكاً للغاية بشكل عام، نعتقد أن تقرير الوظائف الضعيف اليوم كان بمثابة تذكير بأن الأسواق لا تتوقع سيناريو سلبي للاقتصاد يتطلب من الاحتياطي الفيدرالي خفض الفائدة بشكل أكثر قوة”.
يرى إيان لينجن من “بي إم أو كابيتال ماركتس” (BMO Capital Markets)، إن تقرير التوظيف كان مخيبا للآمال وصاخباً بما يكفي لمنع إعادة التفكير في حالة سوق العمل.
خفض الفائدة 25 نقطة أساس
قالت ليندسي روزنر من “غولدمان ساكس أسيت مانجمنت”: “بينما من المرجح أن يعزو الاحتياطي الفيدرالي بعض الضعف في بيانات اليوم إلى عوامل غير متكررة، فإن الضعف في بيانات اليوم يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى مواصلة دورة التيسير النقدي في اجتماع الأسبوع المقبل”، وأوضحت: “الأرقام جاءت مفاجئة، ولكن الأجواء مناسبة لخفض الفائدة 25 نقطة الأساس في نوفمبر”.
تقول سيما شاه، من شركة “برينسيبال أسيت مانجمنت”، إن الأسواق يمكنها “على الأرجح” تجاهل البيانات بسبب تأثير الأعاصير التي خيمت على صورة قوة سوق العمل، مضيفة: “التقرير يؤكد مجدداً أن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يواصل دورة التيسير النقدي، حتى في مواجهة بيانات النشاط الاقتصادي القوية المفاجئة في الأسابيع الأخيرة”.
وقال ريك ريدر من “بلاك روك”: “في النهاية، نعتقد أن بنكالاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة 25 نقطة أساس الأسبوع المقبل، وربما أيضاً في ديسمبر، لكننا أيضاً على استعداد للتعامل مع عدد كبير من البيانات والمعلومات الإضافية خلال الأيام والأسابيع المقبلة”.
“معنويات متفائلة”
انخفضت حيازات صناديق الاستثمار الأميركية من السيولة النقدية إلى أدنى مستوى في سجلات “بنك أوف أميركا كورب” التي تعود إلى عام 2015، مما يشير إلى استمرار المعنويات المتفائلة للأسهم تزامناً مع بداية دورة التيسير النقدي، وفقاً للاستراتيجيين بقيادة سافيتا سوبرامانيان.
كما ارتفع “مؤشر جانب البيع” الخاص بالبنك -والذي يتتبع متوسط تخصيص استراتيجي وول ستريت للأسهم في صندوق متوازن- هذا العام. وفي إشارة متناقضة، كتب الاستراتيجيون أن “مؤشرات المعنويات تتحول إلى الاتجاه المتفائل بشكل متزايد، مما يشير إلى احتمالية حدوث اتجاه صعودي محدود على مستوى المؤشر”.
استثمارات قوية
وقال استراتيجيو “دويتشه بنك”، ومن بينهم باراج ثات وبينكي تشادا: “كانت تدفقات صناديق الأسهم والسندات قوية بشكل ملحوظ خلال العام الماضي، حيث وُظف أكثر من 500 مليار دولار إلى الأسهم، و700 مليار دولار في السندات”. ووسط مخاوف واسعة النطاق بشأن الدورة الاقتصادية، وانخفاض الثقة، والتصورات المتعلقة بميزانيات الأسر المنهكة، يبقى السؤال المتكرر وهو “من أين تأتي كل هذه الأموال؟”.
ويرى الاستراتيجيون أن جزءاً من اللغز يمكن أن يرجع إلى المراجعات الصعودية الكبيرة لدخل الأسرة ومدخراتها. ويرجع جزء آخر إلى المخزونات النقدية الضخمة التي تراكمت حول الوباء. ومع ذلك، أشاروا إلى أنه رغم أن القدرة على الاستثمار مفيدة بشكل واضح، إلا أنها ليست كافية في حد ذاتها لدفع التدفقات الوافدة.
وقالوا: “بالنسبة للأسهم، يرتبط ازدهار التدفقات بالنمو القوي، ولكن أيضا ًبزيادة الرغبة في المخاطرة، والتي أصبحت الآن مرتفعة للغاية”، و”بالنظر إلى وجهة نظرنا بأن دورة الأعمال يتخللها الكثير من التقلبات، فإننا نتوقع استمرار الاستثمار القوي في الأسهم”.
الدولار
صناديق التحوط وغيرها من المتداولين المضاربين يتمركزون بالسوق بشكل يؤهلهم للاستفادة من استمرار ارتفاع الدولار، إذ يتوقع المضاربون التداعيات المحتملة للانتخابات على الطلب على أصول الملاذ الآمن ومسار التعريفات الجمركية.
احتفظت صناديق التحوط ومديرو الأصول والمضاربون الآخرون لمراكز شرائية مراهنة على صعود الدولار بقيمة 17.8 مليار دولار كما في 29 أكتوبر، وفقاً لبيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع التي جمعتها بلومبرغ. إذ أضافوا أكثر من 8 مليارات دولار في هذه الفترة بعد التخلي عن التوقعات السلبية في منتصف أكتوبر.
المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق