أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤخرًا كتابًا جديدًا للشاعر والناقد جمال القصاص بعنوان «في مرايا الشعر»، وهو عمل نقدي وفكري يعيد تأمل فعل الكتابة الشعرية من الداخل، ويكشف عن التوتر الخلّاق الذي يرافق لحظة الإبداع منذ بزوغ الفكرة حتى اكتمال النص.
يجمع الكتاب بين التجربة الذاتية للقصاص ورؤيته النقدية المتراكمة عبر عقود من الممارسة والقراءة.
الكتابة كحالة انفعال وورطة شعرية
في مقدمة الكتاب، يقدم القصاص رؤية عميقة لطبيعة لحظة الإبداع، معتبرًا أنها حالة ممتلئة بالتناقضات: فرح، غضب، حيرة و«ورطة» يقف فيها الشاعر بين موقعين متعارضين الذئب الذي يقتنص فكرته، والفريسة الهاربة من أسر الكلام.
يرى القصاص أن كل نصّ يولد من مأزق، ولا ينجو الشاعر منه إلا بمأزق جديد يخلقه بإرادته، في عملية تشبه لعبة طفولية يراقب خلالها الشاعر ولادة لحظته الشعرية.
رفض القوالب الجاهزة والبحث عن الدهشة
يشدد القصاص على رفضه لأي وصفات لشعر «سهل وجاهز»، مؤكدًا أن نافذة النص يجب أن تبقى مفتوحة باستمرار لالتقاط اللمحة، الخاطر، أو المفارقة التي لم تُكتب بعد. فالكتابة، في رأيه، اكتشاف دائم لما لم يُقل، ومسعى لاقتناص الدهشة المختبئة خلف المشاهد اليومية أو الأسئلة الوجودية.
العلاقة بين الوعي والفكرة الشعرية
يتناول الكتاب علاقة الشاعر بوعيه، مشيرًا إلى أن الوعي وحده لا يصنع شعرًا، وأن الإلهام يحتاج إلى القدرة على النسيان بقدر القدرة على التذكّر.
يمارس القصاص الشعر كطقس داخلي وفضاء للحرية، يكتب ليقترب من ذاته ويحتفي بجوهره الإنساني حتى لو انطلقت القصيدة من لحظات بسيطة أو مشاهد تبدو عادية.
قراءات نقدية لتجارب شعرية عربية
يضم الكتاب مجموعة من قراءاته النقدية لعدد من التجارب الشعرية العربية، كتبها بدافع الشغف بالشعر ذاته. ويؤكد القصاص أن خبرته الإبداعية كانت بوصلته الأولى في القراءة، بحيث يزاوج بين حساسية الشاعر ووعي الناقد.
تحولات الشعر العربي ورهانات الحداثة
يتوقف الكتاب عند تحولات القصيدة العربية منذ الستينيات، حيث بدأت موجة التجديد في الإيقاع والرؤية واللغة. وبرغم هذا التغيير، يرى القصاص أن الشعر ظل لسنوات طويلة أسيرًا للبلاغة التقليدية وهيمنة الموضوع السياسي والاجتماعي.
كما ينتقد الاعتماد المبالغ فيه على المنجز الغربي في النقد الحداثي العربي، معتبرًا أن الشعر في جوهره فعل روحاني خاطف لا يخضع بالكامل لمنطق العقل أو قوالب التنظير.
الحداثة كقيمة داخلية
يخلص القصاص إلى أن الحداثة ليست نموذجًا خارجيًا بل قيمة كامنة في الإنسان، تبحث عمن يوقظها من روتين الحياة اليومية. فالشعر بالنسبة له مساحة للحرية وإعادة تشكيل علاقتنا بالعالم بعيدًا عن السائد والمألوف.
اعتراف ختامي يضيء التجربة
يقدم القصاص في نهاية الكتاب اعترافًا إنسانيًا صريحًا بأنه لا يدّعي الوصول إلى الحقيقة، بل ما يزال يبحث عنها في رحلته الطويلة مع القصيدة. ويرى أن «الخطأ مجرد صواب مؤجل»، ويوجه تقديرًا لكل الشعراء الذين وسّعوا عبر تجاربهم مساحة الضوء والمحبة في حياته.
نقلاً عن : الجمهور الاخباري

تعليقات