يعمل صناع السياسة النقدية في مختلف أنحاء العالم على تقييم ما إذا كانت أسوأ مخاوفهم بشأن عودة دونالد ترمب للرئاسة ستتحقق، في ظل وعوده بفرض رسوم جمركية على الواردات الأميركية، وتخفيض الضرائب مما يوسع العجز في الموازنة الفيدرالية، وإجراء عمليات الترحيل التي قد تؤدي إلى تقليص العمالة منخفضة التكلفة.
التداعيات قد تشمل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وزيادة التضخم محلياً، مما قد يجعل الاحتياطي الفيدرالي أقل استعداداً لخفض الفائدة. والنتيجة المحتملة هي قوة الدولار وتضييق نطاق السياسات النقدية التيسيرية للدول النامية.
لويس دي غيندوس، نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، قال: “إذا فرضت دولة بحجم الولايات المتحدة رسوماً بنسبة 60% على جهات رئيسية – لنتحدث عن الصين – أستطيع أن أؤكد أن التأثيرات المباشرة وغير المباشرة وتحولات التجارة ستكون هائلة”.
في أوروبا، يتوقع “غولدمان ساكس” تخفيضاً إضافياً من البنك المركزي الأوروبي في ظل ضعف النمو بسبب سياسات ترمب. وفي حين يُتوقع أن تخفف الصين سياساتها المالية، إلا أن الأسواق الناشئة قد تضطر إلى تبني مواقف أكثر صرامة لدعم عملاتها.
وفي إشارة لتأثير فوز ترمب، سجل الدولار أكبر مكاسبه أمام العملات الرئيسية منذ 2020، مما دفع ببعض السلطات الآسيوية إلى التعهد بخطوات لحماية عملاتها. وفي الهند، أبدى محافظ البنك المركزي شاكتيكانتا داس تفاؤله، مؤكداً أن بلاده “في وضع جيد وقادرة على التكيف” مع تداعيات الانتخابات.
أما في الصين، والتي استهدفتها رسوم ترمب الجمركية بشكل مباشر، فقد لجأت البنوك الحكومية إلى بيع الدولار لدعم اليوان، الذي تراجع بأكثر من 1%.
“فوز ترمب قد يمهد لتصاعد واسع النطاق في التعريفات الجمركية على مستوى الاقتصاد العالمي، حيث يهدد بزيادة الرسوم إلى 60% على الواردات الصينية و20% على باقي دول العالم، مما سيرفع متوسط الرسوم الأميركية إلى أكثر من 20%، وهو مستوى لم تشهده الولايات المتحدة منذ أوائل القرن العشرين”، وفق مايفا كوزين، وإليونورا مافرويدي من “بلومبرغ إيكونوميكس”.
وأضافا: “أقرب شركاء أميركا، مثل المكسيك وكندا، هم الأكثر تضرراً. بالنسبة لمعظم الدول الأخرى، قد تخفي صدمة طفيفة للناتج المحلي الإجمالي تحولاً كبيراً في تدفقات التجارة بعيداً عن الولايات المتحدة”.
السياسات الصينية والتداعيات في آسيا
قد يُضطر بنك الشعب الصيني إلى تيسيير سياساته النقدية بوتيرة أسرع، مما قد يؤثر على قيمة اليوان، وفقاً لأليشيا غارسيا هيريرو، كبيرة اقتصاديي آسيا والمحيط الهادئ في “ناتيكسيس”. لكنها أشارت إلى أن البنوك المركزية المجاورة قد تكون أقل تحمساً لمثل هذا التحرك إذا خفف الاحتياطي الفيدرالي وتيرة خفض الفائدة.
وأضافت هيريرو: “قد تكون الأسواق الأميركية مبتهجة، لكن اقتصادات آسيا قد تتعرض لخسائر كبيرة”. وأوضحت أن سياسات ترمب تعني مجالاً أقل لتخفيض الفائدة، وهو ما قد تحتاجه البنوك المركزية في وقت الأزمة.
مخاوف من تداعيات التعريفات الجمركية في أوروبا
وصلت تداعيات الانتخابات إلى أوروبا أيضاً، خصوصاً في شرق القارة، حيث تخشى دولها تراجع الدعم الأميركي لأوكرانيا في مواجهة القوات الروسية. المخاوف من توتر العلاقات بين واشنطن وبروكسل دفعت المتداولين إلى الضغط على اليورو باتجاه التعادل مع الدولار.
في ظل هذه الظروف، يخيم شبح التعريفات على محاولات كبح التضخم دون التأثير سلباً على النمو الاقتصادي. وبينما يتوقع نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لويس دي غيندوس، تسارع نمو الأسعار، شدد على أن الحكم النهائي على الأثر الاقتصادي سيعتمد على وضوح السياسات المقبلة.
قال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي: “هناك مخاوف رئيسية هنا، الأولى هي التعريفات الجمركية وسياسات الحماية التجارية التي قد تؤثر سلباً على النمو والتضخم. والثانية هي العجوزات المالية. لقد رأينا بالفعل ردود فعل الأسواق تجاه العجوزات المالية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة”.
وأشار مسؤول بارز في بنك الاحتياطي الأسترالي إلى أن التعريفات الجمركية الكبيرة التي قد تفرضها الولايات المتحدة على الصين قد يكون لها “أثر سلبي” على أستراليا، على الرغم من أن الدولار الأسترالي لم يظهر حتى الآن ردود فعل كبيرة على أساس التجارة المتوازنة بعد فوز دونالد ترمب بالانتخابات. وقال مساعد محافظ البنك كريستوفر كينت أمام البرلمان في كانبرا: “عندما يتعلق الأمر بالتعريفات، لا نعلم حجمها ولا على من ستُطبق تحديداً. القلق الأكبر هو من تأثير التعريفات الكبيرة على الصين، مما قد يؤثر سلباً علينا”.
تأثير ترمب على العملات
في الوقت ذاته، يستعد حلفاء الولايات المتحدة الآخرون لزيادة التوترات، حيث يرى البنك المركزي التايواني أن سياسات ترمب ستؤثر على العملة المحلية، التي سجلت أكبر انخفاض لها هذا العام. وأوضح رئيس قسم العملات الأجنبية في البنك المركزي التايواني، يوجين تساي، أن “ترمب سيؤثر بشكل غير مباشر على الدولار التايواني من خلال تأثيره على صعود أو هبوط الدولار الأميركي وقرارات المستثمرين الأجانب تجاه الأسهم التايوانية”.
وامتد القلق إلى الأسواق العالمية، حيث تراجعت عملات مثل البيزو المكسيكي وراند جنوب أفريقيا على وقع المخاوف المتعلقة بسياسة “أميركا أولاً”.
وأعلن البنك المركزي الماليزي عن مراقبته عن كثب للتطورات العالمية، بما في ذلك الانتخابات الأميركية، وأنه مستعد لإدارة تقلبات السوق وضمان استقرار الأوضاع، وفق ما قاله متحدث عبر البريد الإلكتروني.
كما أكد بنك إندونيسيا استعداده لاستقرار الروبية من التقلبات المفرطة بعد أن وصلت إلى أضعف مستوياتها منذ قرابة ثلاثة أشهر. وقال المحافظ بيري وارجيو أمام البرلمان إن فوز ترمب سيعزز على الأرجح قوة الدولار وارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية.
المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق