فرجينيا هال.. «الجاسوسة العرجاء» التي هزمت هتلر

فرجينيا هال.. «الجاسوسة العرجاء» التي هزمت هتلر


أمامها، يمتد ممر مغطى بالثلوج عبر سلسلة جبال البرانس الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا، أما خلفها فتوجد فرنسا المحتلة من النازيين.

فإما أن تتقدم، فيبتلعها الجليد، وإما أن تعود أدراجها وتكتب شهادة إعدامها بنفسها لأن النازيين كانوا يعتبرونها واحدة من أكثر الجواسيس خطرا عليهم، فوزعوا الملصقات ورصدوا المكافآت لمن يقبض عليها أو يأتي برأسها.

كانت تلك فرجينيا هال، أشهر جواسيس الحرب العالمية الثانية، وكانت تعرف بـ«السيدة العرجاء» بسبب إعاقة في رجلها ناجمة عن بتر ر نصف ساقها اليسرى أسفل الركبة على خلفية حادثة تعرضت لها.

كان عليها تحمل الآلام التي تزداد مع كل خطوة تخطوها، فالساق الاصطناعية التي كانت تضعها كانت تزن حوالي ثلاثة كيلوغرامات، ما يعني أنها لوحدها كانت تشكل عبئا إضافيا عليها وعلى حركتها.

فكرت كثيرا، وكان عليها الاختيار بين الإعدام على يد النازيين الذين كانوا حينها يشنقون الجواسيس عن طريق تعليقهم في خطاطيف الجزارة، أو المجازفة بقطع 80 كيلومترا سيرا على الأقدام، في رحلة غير مأمونة عبر الثلوج باتجاه إسبانيا.

ثم كان عليها أن تحسم أمرها، لأن الوقت هو أيضا عدوها الثالث، وفكرت أنه مهما كان مصيرها في ذلك الممر الثلجي فلن يكون أسوأ من الوقوع بأيدي النازيين بفرنسا.

ولذلك، حملت حقيبة ظهرها ومضت في رحلة مجهولة لا يرافقها فيها أحد سوى ساقها الخشبية.

بداية حياتها

ولدت فرجينيا هال في بالتيمور بالولايات المتحدة، العام 1906، وكانت فتاة طموحة وتحلم بالعمل في السلك الدبلوماسي الأمريكي.

لكن حياتها تغيرت بشكل كبير بعد حادث مأساوي تعرضت له حين كانت في العشرينيات من عمرها، فخلال رحلة صيد في تركيا، أطلقت النار بطريق الخطأ على ساقها، مما أدى إلى بتر ساقها اليسرى من أسفل الركبة.

بعد ذلك، اضطرت لوضع ساق اصطناعية لقبتها بـ”كوثبرت”، لكن رغم الإعاقة، لم تتخل عن طموحاتها.

عالم الجاسوسية

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، سافرت فرجينيا إلى فرنسا، وعندما احتلت القوات الألمانية البلاد، قررت الانضمام إلى «المقاومة الفرنسية».

كانت تحاول في البداية الانضمام إلى الجيش الأمريكي، لكنهم رفضوها بسبب ساقها الاصطناعية، ومع ذلك لم تستسلم، فتواصلت مع «المكتب البريطاني للخدمات الخاصة»، وهو جهاز المخابرات السرية الذي كان يدير عمليات ضد الاحتلال النازي في أوروبا.

دورها

في فرنسا، عملت فرجينيا كعميلة سرية تحت أسماء مستعارة مختلفة، وأصبحت أول امرأة تُرسل إلى فرنسا من قبل المخابرات البريطانية.

كانت تتمتع بمهارات عالية في التنظيم والاتصال، وأثبتت نفسها كعميلة بارعة في جمع المعلومات الاستخباراتية وتنسيق عمليات «المقاومة الفرنسية».

واستخدمت فرجينيا هال شبكة معقدة من العلاقات والخدمات اللوجستية لتزويد قوات الحلفاء بمعلومات حيوية عن تحركات القوات الألمانية.

«جزار ليون»

رغم أن المخابرات الألمانية كانت تعلم بوجود “الجاسوسة ذات الساق الخشبية”، إلا أنها لم تتمكن من القبض عليها لفترة طويلة.

لكن الضابط النازي كلاوس باربي، والذي كان يعمل في صفوف قوات «الغستابو» (الشرطة النازية السرية)، كان مصمما على القبض عليها، واعتبرها أخطر جاسوسة تعمل ضد ألمانيا.

وضعها الضابط الملقب بـ«جزار ليون» ضمن أهدافه الرئيسية، وبذل جهودا كبيرة للقبض عليها، لكن فرجينيا تمكنت من الإفلات من كمائنه.

وفي عام 1942، وبعد أن علمت أن «الغستابو» على وشك الإمساك بها، اضطرت للفرار من فرنسا عبر جبال البرانس في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى إسبانيا، وذلك بالرغم من إعاقتها.

وكانت الرحلة شاقة للغاية، لكنها نجحت في النجاة والوصول إلى بر الأمان.

إلى فرنسا مجددا

لم تكن فرجينيا هال مستعدة للتخلي عن مهمتها، ففي عام 1944، عادت إلى فرنسا، لكن هذه المرة كعميلة للمخابرات الأمريكية، سلف وكالة المخابرات المركزية «سي آي آي».

استأنفت عملها في تنظيم ما كان يعرف بـ«شبكات المقاومة»، وتجنيد أعضاء جدد، وتنسيق هجمات تخريبية ضد القوات الألمانية، بما في ذلك عمليات تدمير خطوط السكك الحديدية التي كانت حاسمة في تعطيل التحركات العسكرية للنازيين.

نهاية الحرب

بعد انتهاء الحرب، تم تكريم فرجينيا هال بالعديد من الجوائز من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، بما في ذلك «وسام جوقة الشرف» من فرنسا و«صليب الخدمة المتميزة» من الولايات المتحدة، وهي أعلى أوسمة تمنح للمدنيين، وكانت هال أول امرأة تحصل عليها.

بعد الحرب

بعد الحرب، واصلت فرجينيا العمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حتى تقاعدها في أواخر الستينيات.

ورغم شجاعتها وإنجازاتها، ظلت هال متواضعة ولم تسع إلى الأضواء، وظلت تفاصيل العديد من مهامها طي الكتمان لسنوات عديدة بعد الحرب.

إرثها

تعد فرجينيا هال واحدة من أبرز الجواسيس في التاريخ، وتعتبر قصتها مصدر إلهام للنساء والرجال في مجال الاستخبارات.

كما يعتبرها كثيرون رمزا للشجاعة والإصرار، حيث تمكنت من التغلب على إعاقتها الجسدية وتحدي نظام النازيين بمهاراتها وذكائها، مخلدة اسمها في عالم الجاسوسية.

aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز FI

مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *