في واحدة من أكثر القصص إلهامًا في تاريخ المرأة المصرية، تبرز عباسية أحمد فرغلي كرمز مبكر للجرأة والريادة، بعدما أصبحت أول سيدة مصرية تحصل على رخصة قيادة سيارة عام 1920، في زمنٍ كانت فيه الطرق شبه خالية من النساء خلف عجلة القيادة، وكانت الأعراف الاجتماعية تفرض قيودًا صارمة على طموحات المرأة وأحلامها.
بداية الحكاية.. شغف مبكر بالسيارات
وُلد شغف عباسية فرغلي بالسيارات في مرحلة مبكرة من حياتها، حيث كانت تنتمي إلى أسرة صعيدية ميسورة الحال، أتاح لها وضعها الاجتماعي فرصًا تعليمية وثقافية نادرة للفتيات في ذلك الوقت. ومع دخول السيارات إلى مصر في بدايات القرن العشرين باعتبارها رمزًا للتقدم والحداثة، وجدت عباسية في قيادة السيارة متعة خاصة ومساحة تعبير عن ذاتها وشخصيتها المستقلة.
لم تكن القيادة بالنسبة لها مجرد وسيلة انتقال، بل فعل تحرر واختيار شخصي، عبّرت من خلاله عن رغبتها في كسر الصورة النمطية للمرأة، دون صدام مع مجتمعها، بل من داخله وبموافقته ودعمه.
رخصة قيادة من فرنسا.. سابقة تاريخية
في عام 1920، حصلت عباسية أحمد فرغلي على رخصة قيادة من فرنسا، لتصبح أول امرأة مصرية معروفة رسميًا تمتلك رخصة قيادة سيارة. ويُعد هذا الإنجاز خطوة غير مسبوقة في ذلك العصر، خاصة أن قيادة السيارات آنذاك كانت تتطلب مهارة ومعرفة تقنية، في ظل غياب البنية التحتية الحديثة وانتشار الطرق غير الممهدة.
لاحقًا، وفي عام 1928، حصلت عباسية على رخصة القيادة المصرية، مؤكدة ريادتها التاريخية، ومكرّسة اسمها كأيقونة نسائية سبقت زمنها.
مجتمع يقدّر المرأة.. رغم الصورة النمطية
تكشف قصة عباسية فرغلي جانبًا مختلفًا من المجتمع المصري في بدايات القرن العشرين، فرغم ما قد يبدو عليه من جمود ظاهري، إلا أنه كان يحتضن مساحات حقيقية لحرية المرأة، خاصة داخل العائلات التي آمنت بالتعليم والثقافة وتمكين الفتيات.
في ذلك المجتمع، كانت عباسية تُعامل كـ«ملكة متوجة»، لها الحق في الحلم والطموح، وكانت أحلامها تجد الدعم والتشجيع. وقد ساعدها هذا المناخ الأسري والاجتماعي على أن تكون متميزة بين زميلاتها، معتادة على الريادة والاختلاف.
قيادة السيارة كفعل رمزي للتحرر
لم تكن قيادة عباسية للسيارة حدثًا عابرًا، بل حملت دلالة رمزية عميقة، جسّدت من خلالها قدرة المرأة على اقتحام مجالات جديدة، كانت حكرًا على الرجال. فقد أصبحت السيارة رمزًا للسيطرة على المسار، واتخاذ القرار، والانطلاق نحو المستقبل.
ومع كل مرة كانت تجلس فيها خلف عجلة القيادة، كانت عباسية ترسل رسالة غير معلنة مفادها أن المرأة قادرة على الموازنة بين تقاليد المجتمع وتحقيق ذاتها، دون تناقض أو صدام.
عباسية فرغلي.. اسم لا يُنسى في تاريخ المرأة المصرية
اليوم، وبعد مرور أكثر من قرن كامل على حصولها على رخصة القيادة، لا تزال قصة عباسية أحمد فرغلي حاضرة كصفحة مضيئة في تاريخ مصر الاجتماعي، ودليلًا على أن ريادة المرأة المصرية لم تكن وليدة العصر الحديث، بل ممتدة الجذور وعميقة التأثير.
إن استحضار سيرة أول سيدة مصرية تقود سيارة ليس مجرد استذكار لمعلومة تاريخية، بل هو تأكيد على أن التقدم يبدأ بفرد يؤمن بحلمه، ويمضي فيه بثقة، مهما بدا الطريق غير ممهد.
لماذا تظل القصة ملهمة حتى اليوم؟
تكتسب قصة عباسية فرغلي أهميتها في الوقت الراهن، مع تصاعد الحديث عن تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين، إذ تذكّرنا بأن المرأة المصرية كانت دومًا سبّاقة، وقادرة على اقتحام الممنوع وصناعة الفارق، حين تتوفر لها الفرصة والدعم.
عباسية لم تقد سيارة فقط، بل قادت فكرة، وفتحت طريقًا، وساهمت في تغيير نظرة المجتمع لدور المرأة… لتصبح بحق أول امرأة مصرية قادت المستقبل من خلف عجلة القيادة.
نقلاً عن : الجمهور الاخباري

تعليقات