رحلة التطوير في حصاد الأرز.. من ” المنجل” والجمال إلى ” الكومباين”

حصاد الأرز قصة طويلة مليئة بالمتغيرات والتطورات في طرق الحصاد بمحافظات مصر، وفي مقدمتها محافظة كفر الشيخ، التي ارتبط اسمها ارتباطًا وثيقا بمحصول الأرز ااذي أصبح جزءًا من هوية المحافظة الزراعية والاقتصادية.
فحين يذكر الأرز، لا بد أن تذكر معه كفر الشيخ، لأنها المحافظة الأولى في إنتاجه، والتي عاشت مع هذا المحصول رحلة طويلة بدأت بالمنجل والجمال، ومرت بمراحل بدائية ويدوية متعددة، وصولًا إلى الماكينات الحديثة التي اختصرت الوقت والجهد وقللت من توالف المحصول.
هذه الرحلة الطويلة لم تكن مجرد تطور في أدوات الحصاد فحسب ، لكنها عبرت عن الرغبة الدائمة في توفير طاقات الفلاح وتخفيف أعبائه، والحفاظ على محصولهه الذي يمثل له قوت يومه ومصدر دخله الأساسي.
في هذا التقرير ترصد “ بلدنا اليوم” مراحل تطوير آلات حصاد الأرز على لسان المزارعين.
المرحلة الأولى: المناجل والجمال “والدرو الخشبية”


يقول محمد سرحان، مزارع يبلغ من العمر 74 عامًا، إن حصاد الأرز قديمًا كان طقسًا شاقًا ومختلفًا تمامًا عما نعرفه اليوم، إذ كان المحصول يمكث في الأرض أكثر من خمسة أشهر، فيما تبدأ ذروة الحصاد في نوفمبر، لا في سبتمبر كما هو الحال الآن. وكان حصاد الفدان الواحد يستغرق نحو أسبوعين كاملين باستخدام المناجل، وسط تعاون جماعي بين عشرات الفلاحين فيما يُعرف بـ”الزمال”.

بعد الحصاد، يتم تحميل أعواد الأرز على الجمال وتنقل إلى الساحات الواسعة المنتشرة في الريف، حيث يقوم المزغرع بتركها من ثلاثة أيام إلى أسبوع حتى تجف، ثم يأتي الجرار ليدهس الأعواد مرات متتالية، مع تقليبها حتى تنفصل الحبوب عن السنابل، بينما يتولى العمال جمع القش جانبًا، وفي النهاية تُستخدم ماكينة خشبية بدائية بموتور يدوي يطلق عليها “ الدرو” لفصل ما تبقى من الحبوب وتجهيزها للتعبئة.. وكانت هذه المرحلة تتسم بكثرة الفاقد من الحبوب بين مراحل النقل والدهس والتعبئة.
المرحلة الثانية: الماكينات الحديدية التي تعمل بماتور الجرار

ويكمل سرحان أن التطور الأول جاء مع ظهور ماكينة تعمل بموتور الجرار، وظل العمال يواصلون ضم الأرز بالمناجل، لكنهم أصبحوا يتركونه نحو أربعة أيام ليجف بعد الحصاد، ثم يضعون الأعواد المربوطة في حزم داخل الماكينة، ومن أحد جوانبها تخرج حبوب الأرز ليتم تعبئتها في شكاير، بينما يخرج من الجانب الآخر التبن الذي يستخدم كعلف للماشية.
المرحلة الثالثة: ماكينات الضم الحديثة
يقول محمد السيد، سائق ماكينات حديثة لضم الأرز، إن النقلة الحقيقية حدثت مع دخول هذه الماكينات منذ نحو عشرين عامًا، فقد أصبحت قادرة على ضم الأرز وحصاده خلال ساعات قليلة، مع فصل الحبوب عن القش مباشرة، وهو ما وفر على الفلاحين حاجتهم إلى عشرات العمال لكن هذه الماكينات لم تكن مزودة بخزان داخلي، فكان لا بد من وجود عامل أو اثنين بجوارها لتعبئة الأرز يدويًا في شكاير، ثم بعدها ينشر الفلاح الأرز في الشمس من ثلاثة إلى أربعة أيام لضمان جفافه، وبعد ذلك يعيد تعبئته تمهيدًا للبيع أو التخزين.
المرحلة الرابعة: الكومباين
ويوضح خيري رمضان، صاحب ماكينة كومباين، أن التطور الأبرز جاء مع هذه الماكينات التي تضم الأرز مع بداية جفافه، فهي تفصل الحبوب عن القش وتحتفظ بها في خزان داخلي، ثم تقوم بتفريغها مباشرة في مقطورة جرار زراعي، وبعد ذلك يضعها الجرغر في المكان الذي أعده الفلاح لتنشير الأرز في الشمس ثلاثة أيام لضمان جفافه الكامل قبل تعبئته في شكاير ليخصص جزء منه للبيع في الأسواق، بينما يحتفظ بجزء آخر لاستهلاك أسرته.


قش الأرز.. من أزمة إلى ثروة
لم يقف التطور عند أدوات الحصاد فحسب، بل شمل أيضًا استغلال المخلفات، فبعدما كان قش الأرز يحرق في الأرض متسببًا في أزمات بيئية وتلوث واسع، أصبح اليوم يمثل ثروة حقيقية.


يقول عطا الله إبراهيم، أحد المزارعين، إن الفلاح لم يعد يفرط في قش الأرز، بل يجمعه ويستخدمه كعلف للماشية أو كوقود للأفران البلدية التي عادت للانتشار مع غلاء أسعار اسطوانات الغاز والأعلاف، كما يبيعه البعض لمصانع الورق والأخشاب، وتستخدمه الدولة أيضًا في صناعة الأسمدة، ليصبح القش موردًا اقتصاديًا إضافيًا لا يقل أهمية عن حبوب الأرز نفسها بالنسبة للفلاح.
نقلاً عن : بلدنا اليوم
تعليقات