حكاية “منصور” ابن جبال سانت كاترين الذى أخرج الفن من الصخر.. صور

فى سانت كاترين بجنوب سيناء، حيث تعانق القمم الشاهقة السماء وتنساب أشعة الشمس الذهبية على صخور صامتة تحمل أسرار آلاف السنين، يبدو كل شيء وكأنه لوحة إلهية مرسومة بعناية، هناك بين وديان تتنفس الهدوء وأشجار تتحدى قسوة الجفاف، تختبئ ورشة صغيرة لا تكاد تُرى للمارّ من بعيد، لكنها تخفى بين جدرانها عالمًا كاملًا من الإبداع. فى ذلك الركن الساكن من جنوب سيناء، يتجلّى فن فريد من نوعه: فن إخراج الجمال من قلب الصخر، وتحويل الحجر الجامد إلى كائن نابض بالحياة.
ومن هنا تبدأ حكاية الشاب منصور محمد منصور الجبالي، ابن الجبال الذى ورث عن أبيه سر النحت، وجعل من الصخور لغة تحكى قصة المكان وتكتب سيرة الإنسان.
لم يكن منصور فنانًا بالصدفة، بل نشأ منذ طفولته على يد أب أحب الحجر، وعرف بالفطرة كيف يحوله إلى أشكال بديعة.
يتذكر منصور بدايات الحكاية حين انطلق مشروع لتجميل مدينة سانت كاترين: “اقترح والدى أن تكون أحجار الجبال هى لغة التجميل، وأن تتحول الكتل الجامدة إلى لوحات تزين الميادين والشوارع. بالفعل بدأ التنفيذ، وصار والدى معروفًا بين الناس كفنان بالفطرة.”
كان الأب قد خطّ لنفسه ولأسرته مكانًا فى ذاكرة المدينة. وحين رحل فى عام 2015، وجد منصور نفسه أمام مسؤولية مواصلة الدرب. لم يكن الأمر مجرد مهنة، بل رسالة عائلية وإرث روحى لا يجوز أن ينقطع.
كل لوحة فنية تبدأ بقصة طويلة. يستيقظ منصور فجرًا، يشد على عزيمته، وينطلق فى رحلة قد تمتد 15 كيلومترًا وسط الجبال القاسية بحثًا عن الحجر المناسب. يصف تلك اللحظات قائلاً:
“اليوم الأول كله سفر وتنقيب. أبحث عن قطعة حجر تحمل فى داخلها ما أريده، ثم أقطعها بمعدات ثقيلة. وفى اليوم التالى أحمّلها على الشاحنات وأعود بها إلى الورشة.”
رحلة البحث لا تخلو من مشقة. حرارة النهار وبرودة الليل، وعورة الدروب وثقل الأحجار، كلها تحديات يومية. لكن منصور لا يراها عائقًا، بل جزءًا من الطقس الإبداعى الذى يمنحه طاقة خاصة.
فى ورشته الصغيرة المحاطة بالجبال، تبدأ مرحلة جديدة من الحكاية. هنا تُجرّد الأحجار من طبقاتها الأولى، تُصنفر وتُمهّد، ثم تتلقى ضربات الإزميل ولمسات الإبداع. شيئًا فشيئًا تتحول الكتل الجامدة إلى لوحات نابضة.
يُفضل منصور أن يعمل على الحجر الرملى والجرانيت والبازلت، لما تمنحه من صلابة وتنوع ألوان. ويقول بابتسامة:
“أشعر أن كل حجر يختبئ بداخله سر، مهمتى أن أزيل عنه الغبار ليكشف جماله.”
من بين أعماله التى يعتز بها لوحة ضخمة لمحمية سانت كاترين، تقف شامخة على الطريق العام المؤدى إلى المدينة، لتستقبل الزائرين وتروى لهم حكاية المكان.
كما نحت لوحات مجسمة لدير سانت كاترين، ورسومات مستوحاة من الطبيعة، تجعل كل قطعة فنية امتدادًا لهوية الأرض.
لم يتوقف صدى أعمال منصور عند حدود سيناء. فزبائنه يأتون من محافظات مصر المختلفة، ومن دول عربية وأجنبية. وقد حملته موهبته إلى معارض فى القاهرة، ثم إلى فرنسا وبلجيكا، حيث عرض منحوتاته التى لاقت إعجاب الزوار.
هناك، شعر منصور أنه لا يعرض مجرد حجارة، بل يعرض صورة كاملة عن سانت كاترين، عن تاريخها المقدس وروحها الخاصة.
يؤمن منصور أن النحت على الحجر ليس مجرد مهنة أو هواية، بل رسالة إنسانية وجمالية. يقول:
“كل قطعة حجر من هنا هى جزء من هوية المكان. عندما أنحتها وأعيد تشكيلها، أشعر أننى أساهم فى حفظ ذاكرة سانت كاترين.”
أعماله باتت بالفعل جزءًا من المشهد البصرى للمدينة، تضيف لمسة فنية تعزز من طابعها السياحى والديني. فسانت كاترين مقصد عالمي، والفن الحجرى صار عنصرًا يعرّف الزوار بروحها.
النحت على الصخور يتطلب جهدًا جسديًا شاقًا وصبرًا طويلًا. قد يستغرق العمل على لوحة واحدة أسابيع، وربما شهورًا. لكن منصور يصرّ على الاستمرار، مؤمنًا بأن التعب طريقه إلى الخلود.
ويعترف: “ليس سهلاً أن تحمل الأحجار أو تنقش على صخور صلبة، لكن ما إن ترى اللوحة تكتمل، حتى تنسى كل التعب.”
جانب-من-منحوتاته
جانب-من–ورشة-النحت
داخل-ورشته-يستقبل-ضيوفه
لفنان-منصور-الجبالي
لوحه-سيناء
مجسمات-بديعه
مجسم-دير-سانت-كاترين
من-اعماله
ينحت-لوحات-ارشاديه
احجار-تحمل-فن
من-داخل-ورشته
نقلاً عن : اليوم السابع
تعليقات