جمال بن ماجد الكندي
ساءنا كثيرًا نعي الأمين العام لحزب الله، بعدما كان شوكة في حلق المشروع الصهيوني مدة تزيد عن ثلاثة عقود من الزمان، وهذا ما جعل الأمة تستقبل نعيه بكل أسى وأسف؛ إنِّا لله وإنِّا إليه راجعون، ونسأل الله العلي القدير أن يثبت محاور المقاومة في وجه المشروع الصهيوني الغاشم وأعوانه في لبنان وفلسطين وفي جميع بلدان المسلمين، وأن يعقب القادة الراحلين من يسد الثغرة في كل المواقع والمراحل. إننا نرجو أن يتحد المسلمون على كلمة سواء، وينتهوا عن إثارة ما يفرق بينهم. والله المُستعان.
بدأت مقالي هذا بهذه الكلمات المختارة من رثاء سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان في استشهاد السيد حسن نصر الله. وكما عودنا سماحته، فقد وقف مع كل القوى السياسية والعسكرية التي تكون بوصلتها فلسطين وسلاحها مصوباً ضد عنجهية وغطرسة وإرهاب الكيان الصهيوني.
كلمات الرثاء للشيخ الجليل الخليلي مُعبرة في مضامينها، وأول هذه المضامين، والتي اعتبرُها عابرة للطائفية المقيتة، أنها من أجل فلسطين ومن يُقاتل تحت هذه الراية. لذا كانت هناك كلمات عزاء من سماحته في اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية، واليوم للشهيد القائد “حسن نصر الله”، وخرجت من نفس النفس الذي يُساند المقاومة من أجل الأرض والعرض مهما كانت الآيديولوجية الدينية والفكرية التي يعتنقها صاحب هذا المبدأ، ما دامت من أجل قضية التحرير الوطني. ولأنَّ كليهما فكرهما واحد، وهو الجهاد والنضال ضد المشروع الصهيوني في المنطقة.
اغتيال السيد حسن نصر الله، يُعبِّر عن إفلاس على الأرض، وفشل يُعاني منه العدو الصهيوني، ومحاولة يائسة للهروب إلى الأمام وخلط الأوراق لتغيير الواقع المُر الذي يعيشه العدو الصهيوني في غزة ولبنان منذ معركة “طوفان الأقصى”. نتنياهو يريد كسب نقاط من وراء اغتيال القادة العسكريين والسياسيين في حزب الله لضرب منظومة القيادة والسيطرة في الحزب ولفك ارتباطها بالجبهة الغزاوية، وبدأها بتفجيرات “البيجر” واللاسلكي في اليوم الثاني، ثم تلتها الاغتيالات وكان أهمها اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وطبعًا، اغتيال قائد مثل السيد حسن نصر الله ليس بالأمر الهين، ووقع كالصاعقة على بيئة المقاومة في لبنان وعلى كل عربي ومسلم يتألم يوميًا لما يحصل في غزة من مجازر، ويدرك أن ما تفعله المقاومة اللبنانية في دعم أهل غزة المجاهدين يكسر شوكة الصهاينة في المنطقة، بالتعاون مع الجبهات الأخرى المساندة لإخوتنا في غزة الصمود. السيد حسن نصر الله ورفاقه دفعوا ثمن وقوفهم مع غزة، فسالت دماؤهم من أجل ما يؤمنون به، فنالوا الشهادة من أجل ذلك.
من هنا سنتحدث عن تداعيات غياب هؤلاء القادة السياسيين والعسكريين في المشهد السياسي والعسكري لحزب الله. وللإجابة على هذا السؤال نطرح سؤالين رئيسيين:
أولًا: هل البنية السياسية تنهار عندما يتم اغتيال قائد سياسي؟
الجواب هو أن إسرائيل اغتالت الأمين العام السابق لحزب الله السيد عباس الموسوي، وقيل في ذلك الوقت إن حزب الله انتهى سياسيًا وعسكريًا. ولكن تفاجأ الإسرائيليون بتعيين شاب في العقد الثالث من عمره، ليقود الحزب إلى النصر عام 2000، وهو تحرير جنوب لبنان والقضاء على أدوات إسرائيل (جيش لبنان الجنوبي) وأبرز قادته أنطوان لحد. ثم جاء نصر عام 2006 الذي أسس لمعادلة الردع العسكري بين الكيان الصهيوني والمقاومة الإسلامية في لبنان. وكما قال سماحة الشيخ الخليلي: “يعقب القادة الراحلين من يسد الثغرة في كل المواقع والمراحل”.
هذه هي العقيدة التي يقاتلون من أجلها، فهي متجذرة فيهم، لأنهم يعتقدون جازمين بأنها سبيلهم إلى إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. فكيف لنتنياهو أن يغلب قومًا هذه عقيدتهم؟ لذا، مهما قتل الصهاينة من أبطال ورموز المقاومة، فلن تتوقف حركات التحرر الوطني؛ لأنها فهي فكرة لا تموت بموت قادتها، ولأن القادة يخلفهم قادة غيرهم.
لذلك، فإن الجانب السياسي لهيكلية حزب الله لن يتأثر تأثرًا كبيرًا، وستظهر خلال الأيام المقبلة هيكلية جديدة، بعد أن تكون هناك مراجعات في البنية السياسية والعسكرية للحزب. ومع أن المُصاب كبير باستشهاد السيد حسن نصر الله بسبب طول رئاسته وشخصيته القيادية البارزة، فهو أيقونة في الجهاد. لكن هؤلاء القادة يعلمون أنهم مستهدفون، ويعملون دائمًا على تمكين البديل في أي وقت.
ثانيًا: هل البنية العسكرية انهارت عندما اُغتيل القادة العسكريون في حزب الله؟
لا ننكر أنَّ البنية العسكرية أصيبت إصابات بالغة باغتيال قادة كبار في عملية الاغتيالات الأخيرة قبل اغتيال السيد حسن نصر الله. وأرادت إسرائيل ضرب منظومة القيادة والسيطرة، فهل نجحت في ذلك؟
النجاح والفشل يُقاسان بالميدان. والميدان العسكري مُستمر في المواجهة مع الكيان الصهيوني؛ فالصواريخ وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة، والشلل في حيفا والشمال تتحدث عنه وسائل الإعلام الصهيونية. وإسرائيل لم تستطع إلى الآن فك شفرة المنظومة الصاروخية وتدمير هذا المخزون الكبير.
مشغلو ورامو هذه الصواريخ في الميدان وفي أنفاق لم يستطع العدو الصهيوني الوصول إليها وإليهم. القصف الذي يقوم به هو قصف عشوائي، ولم يستطع به إيقاف صواريخ المقاومة اللبنانية التي تتجاوز كل يوم مديات معينة وفق حسابات المقاومة. خروج هذه الصواريخ وإصابتها لكل جغرافيا فلسطين المحتلة هو فشل كبير، في حين تدعي إسرائيل أنها قضت على 50 بالمائة من القدرة الصاروخية للمقاومة اللبنانية.
هذه المعطيات السياسية والعسكرية تنبئنا بأنَّ إسرائيل بعيدة جدًا، وهذا حسب تحليل بعض قنوات الإعلام الصهيوني، عن القضاء على قدرات حزب الله، وكل ما تستطيع فعله هو قتل المدنيين، كما فعلت وتفعل في غزة.
بالمقارنة مع غزة ذات الجغرافيا الصغيرة والمحدودة، لم يستطع الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه المعلنة، وأهمها تحرير الأسرى. فهل يستطيع عبر حربه الواسعة التي بدأها في لبنان إعادة مهجري الشمال كما يدعي نتنياهو؟
الوقائع على الأرض تُكذِّب ذلك، والصواريخ الموجهة للمراكز العسكرية قد تُوجَّه إلى العمق السكاني، كما يفعل الكيان الصهيوني، وعندها سيكون نتنياهو تحت ضغط الشارع الإسرائيلي وستتغير المعادلة، خاصة وأنَّ جبهة اليمن دخلت على الخط بضربها عمق الكيان الصهيوني، بعد أن كانت تحاصره بحريًا، مع الجبهة العراقية التي قد تقول كلمتها الفاصلة بخصوص القواعد الأمريكية في العراق.
تداعيات اغتيال السيد حسن نصر الله ستُترجم سياسيًا بوحدة الصف وراء قيادة جديدة، وبثبات الرؤية في استنزاف العدو الصهيوني وإجباره على وقف القتال في الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، وفق شروط المقاومة. هذا الأمر سيحصل عندما تزداد الصواريخ على حيفا والشمال وتل أبيب.
فهل تتحمل إسرائيل صواريخ جبهات إسناد غزة؟!
إنَّ اغتيال السيد حسن نصر الله سيؤلم إسرائيل أكثر من تألمها عندما كان حيًا؛ لأنَّ شهادته في سبيل ما يؤمن به ستكون وقودًا لمن يأتي بعده، وهذا ما ستدركه إسرائيل في القريب العاجل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية