بعد فترة صعبة في كورسك، يستعد الروس لتوجيه ضربة قوية للغرب من بوابة ألمانيا، فيما يمكن وصفه، إن حدث، بـ”انقلاب بوتين”.
ومن المرجح أن تؤدي الانتخابات في ثلاث ولايات بشرق ألمانيا إلى فوز أحزاب صديقة لروسيا، مما يمنح فلاديمير بوتين موطئ قدم في السياسة في البلاد.
ووفق مجلة “بوليتيكو” الأمريكية، قد يكون فلاديمير بوتين متألمًا من التوغل المفاجئ لأوكرانيا في منطقة كورسك الروسية هذا الشهر، لكنه من المرجح أن يحتفل في نهاية هذا الأسبوع بالمكاسب الانتخابية في الغرب، وبالتحديد في ألمانيا.
ومن المتوقع أن تحقق الأحزاب الصديقة لروسيا في ثلاث ولايات بشرق ألمانيا – براندنبورغ وساكسونيا وتورينغن– مكاسب كبيرة في الانتخابات الإقليمية في سبتمبر/أيلول، ومن المقرر إجراء اثنتين منها يوم الأحد المقبل.
إذ يتمتع حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) الموالي لروسيا بفرصة قوية لاحتلال المركز الأول في جميع الولايات الثلاث.
ومع صعود تحالف “سارة فاغنكنشت” اليساري الذي تم تشكيله مؤخرًا في هذه الولايات أيضا، فإن موسكو تستعد لإعادة تأسيس موطئ قدم قوي عبر مساحة واسعة من شرق ألمانيا، وهي المنطقة التي هيمنت عليها لعقود من الزمن خلال الحرب الباردة.
وإذا تحققت التوقعات في صناديق الاقتراع، فإن النتائج ستثير حتمًا قلقًا عميقًا في جميع أنحاء ألمانيا. ومن شأن فوز أقصى اليمين وأقصى اليسار، بأغلبية ساحقة أن يكشف عن مدى فشل جهود المؤسسة السياسية الألمانية في إصلاح الانقسام بين الشرق والغرب في البلاد، وأن يهز الائتلاف الثلاثي المتذبذب بالفعل في برلين.
انتصار لبوتين
ووفق المجلة، سيشكل هذا الفوز أيضًا انتصارًا شخصيًا لبوتين: فقد كان الزعيم الروسي مسؤولا للمخابرات السوفياتية في دريسدن الألمانية في الثمانينيات، وهي تجربة تركته مفتونًا بكل ما هو ألماني، حتى أن أحد كتاب سيرته الذاتية أطلق عليه ذات مرة لقب “الألماني في الكرملين”.
وإجمالاً، من المتوقع أن تستحوذ الأحزاب الصديقة لموسكو، التي تقع بين أقصى اليمين واليسار من الطيف السياسي، على ما لا يقل عن 50 في المئة من الأصوات في جميع للولايات الثلاث، وفقاً لآخر استطلاعات الرأي.
وفي إحدى الولايات، تورينغن، من المتوقع أن تحصل هذه الأحزاب على ما يصل إلى 65 في المئة، مع حصول حزب البديل من أجل ألمانيا منفردا على حوالي 30 في المئة.
وعلى الرغم من أن هذه الأحزاب ليست جميعها مؤيدة لروسيا بشكل علني مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، إلا أنها تشترك في روايتين مشتركتين يدفع بهما أقصى اليمين: أن حلف شمال الأطلسي يتقاسم اللوم على الحرب في أوكرانيا وأنه كان من الممكن التوصل إلى حل سلمي لو كان الغرب جادًا في الدبلوماسية.
في المقابل، تراجعت الأحزاب الحاكمة الرئيسية في ألمانيا على المستوى الوطني – الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر – إلى مرتبة ثانوية، حيث تتوقع استطلاعات الرأي نتيجة تراكمية تبلغ حوالي 12 في المئة في ساكسونيا وتورينغن، و27 في المئة في براندنبورغ.
وحتى عند احتساب أكبر قوة وسطية في ألمانيا، وهي الاتحاد المسيحي المحافظ، فإن استطلاعات الرأي مجتمعة للأحزاب الرئيسية لا تتجاوز 50 في المئة.
وهذا تراجع غير عادي بالنسبة لأحزاب الوسط التي شكلت الحياة السياسية في شرق ألمانيا منذ إعادة توحيد البلاد في التسعينيات.
في أوائل التسعينيات، استعمرت قوى ألمانيا الغربية، شرق البلاد بشكل فعال، وأرسلت مخضرميها السياسيين لإدارة ولاية سكسونيا وولايات أخرى. وحتى اليوم، ينحدر أكثر من 40 في المئة من الطبقة السياسية العليا في الولايات الشرقية الألمانية من الغرب.
والآن، يشير الصعود السريع لحزب البديل من أجل ألمانيا والأحزاب الشعبوية الأخرى في الشرق إلى أن هذا النهج قد أتى بنتائج عكسية.
“سطوة الغرب”
ويقول يوهانس كييس، عالم الاجتماع في جامعة لايبزيغ: “لم تنجح الأحزاب الديمقراطية – الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي المسيحي وحتى حزب الخضر – في ترسيخ نفسها في الشرق بنفس الطريقة التي نجحت بها في الغرب، وهذا بالطبع يجعل الأمر أسهل بكثير لحزب مثل حزب البديل من أجل ألمانيا أن يتسلل إلى الداخل مستفيدًا من ناخبين أكثر تقلبًا”.
وعلى الرغم من أن إعادة التوحيد أحدثت تحولاً جذرياً في اقتصاد ألمانيا الشرقية السابقة، ورفعت مستويات المعيشة إلى مستوى لم يكن بالإمكان إدراكه في ظل الشيوعية، إلا أن الاستياء من استيلاء ألمانيا الغربية على البلاد بحكم الأمر الواقع لا يزال ملموساً في العديد من الزوايا.
فمنذ إعادة التوحيد، فقدت المنطقة 15 في المئة من سكانها مع انتقال العديد من الألمان الشرقيين السابقين، ولا سيما النساء، إلى الغرب.
على الرغم من أن الاتحاد المسيحي لا يزال قادرًا على المنافسة في ساكسونيا، إلا أنه ربما تمكن من ذلك فقط لأن رئيس وزراء الولاية المنحدر من الاتحاد، مايكل كريتشمر، يعارض إنفاق المليارات على المساعدات العسكرية لأوكرانيا وجعل الدعوة إلى إجراء محادثات سلام بين موسكو وكييف محورًا لحملته الانتخابية الحالية.
كما قام كريتشمر بزيارة إلى موسكو في عام 2021، ودعا بوتين لزيارة دريسدن، حيث كان الزعيم الروسي متمركزًا عندما سقط جدار برلين.
التهديد الأكبر
ووفق بوليتيكو، فإن استعداد أحد كبار المحافظين الوسطيين الألمان، “لتملق” بوتين يؤكد مدى تغلغل الخطاب الروسي في المنطقة. وبالنسبة للكثيرين في ولايات الشرق، فإن موسكو ليست أسوأ من واشنطن، التي يتهمها السياسيون الشعبويون بالعمل من وراء الكواليس لتحقيق أهدافها الخاصة في أوكرانيا.
ومع ذلك، يبقى التهديد الأكبر هو حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي من شأنه أن يُحدث زلزالًا سياسيًا سيتجاوز صداه حدود ألمانيا إذا فاز في الولايات الثلاث، وهو احتمال يقول مراقبون إنه أكثر ترجيحًا بعد الهجوم بالسكين الذي وقع الأسبوع الماضي في سولينغن والذي يُزعم أن رجلًا سوريًا يُشتبه في صلته بتنظيم “داعش” الإرهابي قد ارتكبه.
وبحسب “بوليتيكو”، فإن صلات حزب البديل من أجل ألمانيا بموسكو موثقة جيدًا. فقبل الانتخابات الأوروبية في يونيو/حزيران، كشفت السلطات الألمانية ما زعمت أنه عملية تأثير روسية تورط فيها أحد المرشحين الرئيسيين لحزب البديل من أجل ألمانيا. ومع ذلك، احتل الحزب المركز الثاني بنسبة 16% وحقق أداءً جيدًا في الشرق بشكل خاص.
ولا يخفي العديد من كبار شخصيات حزب البديل من أجل ألمانيا تقاربهم مع بوتين. إذ قال بيورن هوكه، زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا في ولاية تورينغن الذي يعتبره الكثيرون الأب الروحي للحزب، إنه إذا أصبح مستشارًا لألمانيا، ستكون زيارته الأولى لموسكو.
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية