التشريع الدولي في جلد الحرباء

التشريع الدولي في جلد الحرباء

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

من المعروف أنَّ القانون بمثابة حجر الزاوية لبناء النظام في المجتمعات؛ سواءً كان داخليًا أو خارجيًا، إقليميًا أو عالميًا، ولكن يبدو أن سادة العالم استمدوا تشريعاتهم من جلد الحرباء لا من نهج وسنن العدل المعروفة، فهم يُطوعون التشريعات لتكييفها وفق مصالحهم وأطماعهم ولخدمة نفوذهم والحفاظ على سيادتهم ويلجمون بها دول العالم الثالث.

ولو رجعنا بالذاكرة قليلاً للخلف نتذكر أن العقوبات فُرضت على العراق بحجة أنّ صدام حسين يشكل خطرًا على جيرانه بما فيهم الكيان الصهيوني وعلى المنطقة برمتها؛ الأمر الذي زعمت من أجله الولايات المتحدة التدخل الفوري لإزالة ذلك الخطر! فتلى تلك العقوبات غزو العراق ودماره والاستيلاء على خيراته. وتكرر السيناريو ذاته في أفغانستان إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومحاربة بن لادن وتدمير أفغانستان ونهب خيراته بحجة القضاء على تنظيم القاعدة. ويتكرر المشهد ذاته لحماية نتنياهو من المقاومة الفلسطينية التي من الأساس تقاوم الاحتلال وتدافع عن أرضها، ليصل الدمار ذاته والتهجير والقتل العشوائي إلى لبنان المساند منذ بداية الحرب.

أيُّ تشريعات هذه يا غرب الإنسانية والحقوق والديمقراطية؟!

بالأمس تحارب أمريكا صدّام لأنه يشكل خطرًا على المنطقة وفق الرؤية الأمريكية والقانون الدولي، والآن تؤآزر نتنياهو الذي يعبث بالأوطان والأنفس والمقدسات؛ طغيانًا وبغيًا، وتمدّ جسور العون بأنواعها له دون أدنى اكتراث بالقانون الدولي الذي يتلون كالحرباء لمداراة مصالحها وجرائمها، نرى في الوقت الحالي موجة من الجنون في القتل والخراب يشنّه الصهيوني العابث في الجنوب اللبناني بعد تدمير غزّة ويجاهر بأنه يدرك أهدافه جيدا وبدأ بالفعل بتنفيذ مخططه الاجتياحي وأن هذا لن يتوقف على لبنان!

وما المانع من أن يتلبسه سبعين عفريتا ويمارس المزيد من الإجرام، مادام الشيطان الأكبر يسانده ويُطوّع التشريعات الدولية تحت إمرته! إذن فمن الطبيعي أن يستمر المجرم في متاهات إجرامه إن لم يجد قانون يُحق الحق.

الكلام وقت الحرب.. خيانة!

وبالرغم من أن الكلام وقت الحرب خيانة إلّا أننا مازلنا نتكلم وندعو إلى وقف الحرب، في المقابل العدو يُخطط ويُنفذ مخطط الإبادة على نطاق واسع، حيث يهرول النتن الأرعن من محرقة إلى أخرى يقتل ويدمر ويجعجع بالصواريخ والمسيرات على رؤوس العزّل عابثا بحول وضعف العرب، أغراه الدمار الذي أحدثه في غزة بالمزيد من الدمار، فيكرر السيناريو ذاته مرورًا برفح ووصولا للبنان، ولا نعلم من سيأتي لاحقًا؟!   

تتوسع الحرب الهستيرية وتتباين فيها الأفعال والغموض ويتنحى جانبا عنها الموقف العربي المبني على السكون في محل نصب وجر، وتكثر الاستفهامات حول المصير المنطقة؛ فالتصعيد على الجنوب اللبناني بالغارات الجوية بعد العمليات السيبرانية دلالة واضحة على تفشي سرطان الكيان في جسد الشرق الأوسط المتجمّد، وعلى الموقف الأمريكي الحاضن للإجرام الصهيوني الآثم.

أيّ لبنان تقصف يا مجنون!

القصف الصهيوني على لبنان منذ أسبوع متواصل وعمليات التهجير أثبت حقًا لحمة الشعب اللبناني، فهم شعب تجرّع الأزمات مرارًا، فبان معدنهم كالذهب الذي لا يصدأ ولا يُغيِّره الزمن، هبَّ الشمال لمساعدة الجنوب بالتبرع بالدم وتقديم ما يلزم من متطلبات الإيواء والإغاثة، أسقطوا الشعارات المذهبية والسياسية والفرقة وهبوا جميعا للوقوف في وجه المحتل، أيّ لبنان تدمّر يا مجنون؛ فهناك حزب الله الواقف شوكة في بلعوم الصهيونية منذ عقود!

وحدها الأفعال تتصدر المشهد في حرب لبنان؛ فحزب الله يعي أهدافه جيدا، حيث وجه ضرباته للعمق الإسرائلي ولأهداف دقيقة ومدروسة كما يجب؛ فألحق بهم الخسائر الجسيمة وأشعل فيهم النيران بالطريقة التي تليق برد المجاهد المقاوم، بينما نرى الجانب الإسرائيلي ينتهج النهج ذاته في القصف والتدمير وملاحقة القادة وقتلهم بالغدر والطرق الخسيسة، الأمر الذي يعكس الجانب الإنساني والقتالي معا في الحرب، الجانب الإنساني والقتالي ذاته الذي برز في طوفان الأقصى.

الصهيونية والهجرة العكسية

لا شك أن الهجرة العكسية التي يشهدها الكيان حاليا من أهم نتائج حرب طوفان الأقصى؛ فلا أحد يستطيع اليوم أن ينكر أن العيش في إسرائيل تحول إلى كابوس؛ فالعلماء منهم وأبرز الأطباء يغادرونها إلى الخارج والقلق من المستقبل هو ما بات يؤرقهم، كما أن الحالة النفسية والعصبية التي آل إليها الكثير من الجنود في الجيش يعيق سير التجنيد؛ فالهجرة إلى الخارج المخرج الآمن لهم؛ فقد انعكست أجواء الحرب على مدار ما يقارب العام على جميع جوانب الحياة؛ فانهيار الاقتصاد والشلل الذي طال مختلف أجهزة كيانهم الهش أوصلهم إلى الهجرة للخارج بعد أن كانت إسرائيل وأمريكا تصرف الكثير من الأموال في جلب المستوطنين من كل مكان، لم يتوقف الحال عند هجرة الأفراد فحسب؛ إنما آلاف الشركات الاستثمارية غادرت أو تفكر بالرحيل وفق التقرير الذي نشرته صحيفة التلغراف البريطانية.

وأخيرًا.. إنَّ غياب آليات تنفيذ القانون الدولي أوصل الحال في الشرق الأوسط إلى ما هو عليه الآن، فأصبح الحال بلسان المثل القائل “إن غاب القط يلعب الفأر”؛ لذا فإنه لا سبيل لضبط سلوك الفأر إلّا بالمقاومة ووِحدة الصف والكلمة إنْ أبقتْ لنا الخيانة كلمة أو صفًا!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *