ركز اليوم الأول من فعاليات النسخة الثامنة من “مبادرة مستقبل الاستثمار” التي تقام في السعودية، على الذكاء الاصطناعي والطاقة، في حين كان اليوم الثاني على موعد مع العديد من الصفقات والإعلانات.
أبرز هذه الصفقات ما تم الإعلان عنه بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي و”جوجل كلاود” لإطلاق مركز ذكاء اصطناعي من شأنه أن يضيف نحو 71 مليار دولار إلى اقتصاد المملكة خلال ثماني سنوات.
من المقرر أن تسهم الشراكة في ترسيخ مكانة المملكة كمركز عالمي ووجهة أولى لتطبيقات الذكاء الاصطناعي للمؤسسات والشركات الناشئة المحلية والعالمية. وتتضمن تطوير قدرات الكفاءات السعودية في سوق العمل من خلال برامج ذكاء اصطناعي ومهارات رقمية، بما يتماشى مع المستهدفات الاستراتيجية للمملكة بتحقيق نمو بنسبة 50% في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات.
تأتي هذه الاتفاقية في وقت تؤكد فيه المملكة عزمها التحول إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي، مستفيدة من التكلفة المنخفضة للطاقة والأراضي الشاسعة، إضافة إلى امتلاكها معظم التقنيات في مجال الطاقة المتجددة فضلاً عن الوقود الأحفوري، وفقاً لما أعلن عنه أمس محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان، مشيراً إلى أن المملكة تحاول جذب 10% من الطلب العالمي على مراكز البيانات اللازمة لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وفي إطار الاتفاقيات، أعلن الصندوق السيادي أيضاً عن توقيع مذكرة تفاهم غير ملزمة يصبح بموجبها مستثمراً استراتيجياً أولياً بصندوق “بروكفيلد أسيت مانجمنت” (Brookfield Asset Management) الجديد الموجه للشرق الأوسط والبالغة قيمته ملياري دولار، حيث يُتوقع توظيف نصف استثمارات منصة “بروكفيلد ميدل إيست بارتنرز” في السعودية نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة “طيران الرياض” في المؤتمر، أنها طلبت شراء 60 طائرة من شركة “إيرباص إيه 321 نيو”، وفقاً لبيان صادر عن الشركة اليوم، في وقت تنفق المملكة مليارات الدولارات للتحول إلى مركز للطيران والسياحة.
يأتي طلب الشركة المدعومة من الصندوق السيادي السعودي، “تحضيراً للانطلاق التشغيلي الفعلي في العام المقبل، والسعي نحو بناء شبكة وجهات حول العالم لترسيخ مكانة العاصمة الرياض كمركز استراتيجي عالمي في قطاع الطيران”، وفق بيان صادر عن الشركة.
من جهة ثانية، أبرمت شركة “أكوا باور” السعودية 4 اتفاقيات بإجمالي استثمارات بلغت 1.784 مليار دولار خلال المؤتمر، تشمل تمويل المشاريع، وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة بالبطاريات، بالإضافة إلى مبادرات الابتكار والأبحاث والتطوير في كل من دول الخليج، والصين، وآسيا الوسطى، وشمال أفريقيا.
مراكز إقليمية
تركز السعودية على جذب الشركات الأجنبية لفتح مراكز إقليمية في الرياض. وكان وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح أشار في تصريحات في اليوم الأول من المبادرة إلى أن أكثر من 540 شركة باتت تعتمد الرياض مقراً إقليمياً.
وفي هذا السياق، أعلنت الرئيس التنفيذي لشركة “تيك توك” الصينية شو تشيو في مقابلة مع “الشرق”، أن الشركة تعتزم إنشاء مقر إقليمي في الرياض، ومن المخطط افتتاحه في الربع الأول من العام المقبل.
كما أفاد وزير الدولة البريطاني للسياسة التجارية والأمن الاقتصادي دوغلاس ألكسندر، بأن عدد الشركات البريطانية التي تتخذ من الرياض مقراً إقليمياً وصل إلى 50 شركة.
من جهة أخرى، يتوقع “المركز المالي الكويتي” الحصول على ترخيص وإطلاق وحدة تابعة في السعودية خلال العام المقبل، بحسب رئيسه التنفيذي علي حسن خليل.
وذكر خليل، في مقابلة مع “الشرق”، أن “المركز” قدم بالفعل طلب الحصول على ترخيص من “هيئة السوق المالية” بالمملكة ويسعى للعمل في القطاعات التي ستستفيد من التحول الجاري ليكون جزءاً من جهود المملكة لتحقيق رؤية 2030.
من جهتها، تنفذ شركة أجيليتي الكويتية، مشروعات بناء مستودعات لشركة أمازون في مصر والسعودية، بحسب طارق سلطان نائب رئيس مجلس إدارة الشركة.
وأضاف سلطان في مقابلة مع “الشرق” أن الشركة تقوم بتنفيذ مشروع لتطوير الخدمات الجمركية والتكنولوجيا مع قناة السويس في مصر، كما تقوم بتطوير مناطق تخزينية في السعودية عبر مشروعين بالرياض ومشروع في جدة وآخر في الدمام، لافتاً إلى أن المشروعات الضخمة الجاري تنفيذها في المملكة تدخل في صميم عمل الشركة.
الاستثمار الأجنبي المباشر
يشهد الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية تقدماً ملحوظاً مؤخراً. ووصف وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، خلال مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ” على هامش المؤتمر الأرقام المعلنة مؤخراً بأنها “إيجابية للغاية”. وقال إن جميع المؤشرات الأساسية تشير إلى نمو إيجابي، وكأنها إشارات مرور خضراء تدل على تقدم دون عوائق”. وأضاف الفالح أن الطريق لتحقيق هدف الاستثمار في عام 2030 سيكون “صعباً” لكنه “قابل للتحقيق”.
خلال العام الماضي، بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية حوالي 26 مليار دولار، وهو مبلغ أعلى من الهدف الذي حددته الحكومة لنفسها، ولكنه لا يزال أدنى مستوى منذ عام 2020. كما جرت مراجعة البيانات مؤخراً وزيادتها من 19 مليار دولار لتعكس ما وصفه الفالح بأنها منهجية تتماشى مع معايير صندوق النقد الدولي.
وفي سياق متصل، تدرس شركة “ستيت ستريت غلوبال أدفايزورز”، تعزيز حضورها في السعودية وإدخال استثماراتها ورؤوس أموالها إلى المنطقة، بحسب لوري هاينل، نائبة الرئيس التنفيذي للشركة التي تُعتبر رابع أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم.
هاينل أشارت في مقابلة مع “الشرق”، إلى اهتمام الشركة بتطور السوق السعودية من خلال الاستثمار في الصناديق المتداولة، وقالت إن فرص الاستثمار تغيرت وباتت تشمل قطاعات متنوعة كالإعلام والترفيه والصناعة والسوق المالية بفضل جهود تنويع الاقتصاد، وهو ما جعل حجم السوق أكبر ويلفت نظر المستثمرين الدوليين بحسبها.
تحديات في الموارد البشرية
من جهته، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن المملكة تواجه تحديات لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، منها تلك المتعلقة بالموارد البشرية والقدرة على تنفيذ الخطط.
وأضاف خلال حديثه في المؤتمر: “نريد أن نتأكد أننا نأتي بمزيد من القدرات الكامنة وألا نحمّل الاقتصاد أكثر مما يمكن أن يتحمله”.
الجدعان أكد “إننا على المسار الصحيح” بما يتعلق بالتقدم المحرز على صعيد “رؤية 2030”. موضحاً أن “أداء” (المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة)، وهي سلطة حكومية مستقلة تتابع ما تقوم به الحكومة وتصدر تقارير؛ “أفادت منذ بضع أشهر أن حوالي 87% من مستهدفاتنا إما أنها تحققت أو أنها على المسار الصحيح. وننظر إلى الـ13% المتبقية لنضعها على المسار الصحيح.. أي ترتيب أولوياتها”.
إعلانات أخرى
وفي إطار الإعلانات الأخرى التي شهدتها فعاليات اليوم الثاني من المؤتمر، وقعت “أرامكو” السعودية مذكرة تفاهم مع شركة “بتروفيتنام” للتعاون في مجال تجارة النفط والغاز. وتسعى الشركة من خلال الاتفاقية إلى تمهيد الطريق أمام تعاون محتمل في مجال تخزين وتوريد وتجارة الطاقة والمنتجات البتروكيميائية.
كما أفادت شركة “تسارُع لاستثمارات التنقل”، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، بأنها تركز على تكنولوجيا القيادة الذاتية، عبر طرح تكنولوجيات جديدة وعقد شركات مع الشركات العالمية المتخصصة في هذه التكنولوجيا، بحسب رئيسها التنفيذي مايكل مولر.
كما كشف الأمير فيصل بن بندر بن سلطان آل سعود، رئيس الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، أن المملكة تسعى لتكون مركزاً عالمياً بارزاً لصناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية، على غرار اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، ولذلك تعمل على تطوير منظومة متكاملة لهذه الصناعة بناءً على التجارب الناجحة عالمياً في هذا المجال.
تستهدف المملكة أن يساهم قطاع الرياضات والألعاب الإلكترونية بـ50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحلول 2030، وفقاً لاستراتيجية هذا القطاع التي أعلن عنها في سبتمبر 2022 ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ولتحقيق هدفها، أطلقت المملكة عدة مبادرات من بينها شركة “ساڤي” للألعاب الإلكترونية التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، إضافة إلى التمويلات التي يقدمها صندوق التنمية الوطني لفائدة الشركات الناشئة.
كما يُتوقع الإعلان غداً ضمن فعاليات اليوم الثالث من مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، عن استحواذ شركة برازيلية، على حصة في شركة غذائية سعودية، لنقل المعرفة والكفاءات للشركات الوطنية، بحسب ماجد العساف، مدير إدارة السلع الاستهلاكية والتجزئة في صندوق الاستثمارات العامة.
العساف كشف في مقابلة مع “الشرق”، أن الصفقة سيتم الإعلان عنها في إطار فعاليات اليوم الثالث، دون أن يفصح عن أسماء الشركات، ورأى أن هذا الاستحواذ سيسهم بنقل الخبرات والمعارف إلى الشركة الوطنية، مشيراً إلى أن الصندوق يتطلع إلى دعم الأمن الغذائي للمملكة من خلال تنويع استثماراته، في إطار رؤية 2030.
وكشف الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك” عبدالرحمن الفقيه، أن الشركة نجحت في تقليص انبعاثات الكربون في مصانعها بنهاية العام الماضي، بنسبة 12.5% مقارنة بعام 2010.
وأضاف الفقيه في كلمته بجلسة مخصصة لمناقشة مستقبل الموارد والصناعات النظيفة بيئياً، في اليوم الثاني لمبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، أن مصادر الطاقة المتجددة تعتمد على منتجات بتروكيميائية، مثل ألواح الطاقة الشمسية وطواحين طاقة الرياح والتي يعتمد تكوينها على البوليمرات، وتمثل المواد الكيميائية 76% من مكوناتها.
الذكاء الاصطناعي والتعدين
توشك عمليات الرقمنة والذكاء الاصطناعي والأتمتة، من المساهمة في تقليص فترة الاستكشاف والانتاج في قطاع التعدين إلى النصف تقريباً (من 20 عاماً إلى 9 أعوام)، وذلك بحسب روبرت ويلت، الرئيس التنفيذي لشركة “معادن” السعودية.
وأضاف ويلت في جلسة “مستقبل الموارد: هل الصناعات النظيفة قابلة للتحقيق” خلال فعاليات اليوم الثاني لمبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، أن الشركة لا تبحث عن الربح السريع بل تركز على الاستثمارات الاستراتيجية طويلة الأجل في عملها مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وتابع: “الشركة تتمتع برأس مال صبور طويل الأجل، ونحن لا نبذر الأموال في محاولة لكسب المال بسرعة، ولكننا نحاول القيام بالشيء الصحيح استراتيجياً للمملكة”.
سنواصل تغطيتنا لفعاليات “مبادرة مستقبل الاستثمار” غداً. يمكنكم متابعة ذلك عبر موقعنا الإلكتروني asharqbusiness.com
المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق