عمرو جوهر إعلامي وباحث مقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن
تميزت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بالاستقطاب الشديد، مما يعكس الانقسامات السياسية العميقة التي اجتاحت الأمة.
فمع السباقات المتقاربة، والانقسامات الإيديولوجية العميقة، والخطابات المتزايدة الحدة على كلا الجانبين، تسلط هذه الانتخابات الضوء على أكثر من مجرد وجهات نظر سياسية مختلفة، إنها تكشف عن صراع أساسي حول هوية البلاد وقيمها واتجاهها المستقبلي.
على أحد جانبي هذا السباق يقف الرئيس الحالي جو بايدين، الذي تردد صدى سياساته وأسلوب قيادته بقوة مع قاعدته الديمقراطية ولكنها أبعدت الآخرين بشدة، وخصوصا مع الوضع الاقتصادي السيء في أمريكا.
وعلى الجانب الآخر، ركز مرشح المعارضة دونالد ترامب، على تصوير الإدارة الحالية على أنها تهديد للمعايير الديمقراطية والنزاهة الدستورية.
يواجه كلا المرشحين انتقادات كبيرة، وينظر البعض إلى الرئيس الحالي نظره سلبيه كبيره، حيث ان هذه الانتخابات أكثر من مجرد مسابقة للسياسة؛ إن الانتخابات الرئاسية الأميركية الحالية هي معركة حول روح الأمة، حيث يرمز كل مرشح إلى رؤى مختلفة تمامًا لأميركا.
لقد اكتسبت قضايا مثل الهجرة والرعاية الصحية والتفاوت الاقتصادي، والتي كانت سببًا في انقسام الأميركيين لفترة طويلة، أهمية متزايدة.
ومع ذلك، فقد أدخلت هذه الانتخابات أبعادًا جديدة لهذه المواضيع المألوفة، تتضمن مناقشات حول الهجرة والأمن القومي ونقص العمالة؛ وتحولت الرعاية الصحية إلى مناقشات حول التمويل العام من الدولة .
لم يعد النقاش الاقتصادي يدور فقط حول التخفيضات الضريبية أو الإنفاق، بل حول طبيعة الرأسمالية نفسها وما إذا كان التفاوت في الثروة في البلاد مستدامًا.
أحد أكثر الاتجاهات المثيرة للقلق في هذه الانتخابات هو تآكل الثقة العامة في المؤسسات، حيث تكشف استطلاعات الرأي عن انخفاض الثقة في الحكومة الفيدرالية ووسائل الإعلام وحتى العملية الانتخابية.
أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحات معركة للتضليل، حيث يُقال إن الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية تحاول التأثير على الرأي العام.
لقد أدت مزاعم التدخل في الانتخابات، والتصويت المزور، وانعدام الثقة في وسائل الإعلام إلى تغذية نظريات المؤامرة، مما أدى إلى وضع يستعد فيه الجانبان لتحدي نتائج الانتخابات في حالة خسارتهما.
لقد أدى هذا التشكك تجاه المؤسسات إلى أجواء من عدم الثقة والخوف. يعتقد عدد متزايد من الأميركيين أن مرشحهم المفضل يجب أن يفوز لمنع أزمة وجودية، وهو الموقف الذي يزيد من حدة المخاطر.
تبدو فكرة الانتقال السلمي للسلطة، التي كانت تعتبر أمرًا مفروغًا منه ذات يوم، غير مؤكدة الآن، قد تثبت انتخابات عام 2024 أنها نقطة تحول، تكشف ما إذا كان الأميركيون لا يزالون يؤمنون بالعمليات الديمقراطية أم أن هذه الثقة قد تضررت بشكل لا يمكن إصلاحه.
يلوح القلق الاقتصادي أيضًا في الأفق، مما يؤثر على تصورات الناخبين للمرشحين وأولوياتهم. أصبحت التضخم وتكاليف الإسكان وانعدام الأمن الوظيفي من المخاوف الملحة، وخاصة بين الناخبين الأصغر سنًا والطبقة العاملة.
تعمل التوترات الثقافية على تفاقم هذا القلق، لقد أضافت قضايا مثل العلاقات العرقية والحريات الدينية طبقة ثقافية إلى الانتماءات السياسية، مما جعل الهوية السياسية جزءا أساسيا من الهوية الشخصية للعديد من الأميركيين.
لقد أدى هذا الاستقطاب المتزايد إلى بيئة حيث يشعر الناس بالتنازل وكأنه هزيمة، ومع تفاقم هذه الضغوط، يشعر العديد من الناخبين بالغربة، مقتنعين بأن أيا من الحزبين الرئيسيين لا يمثل مصالحهم بشكل كامل.
مع ذهاب الأمريكيين إلى صناديق الاقتراع، هناك شعور لا يمكن إنكاره بأن البلاد عند مفترق طرق، إن نتيجة انتخابات عام 2024 سوف تشكل أكثر من مجرد السنوات الأربع المقبلة من السياسة؛ بل من المرجح أن تحدد اتجاه الديمقراطية الأميركية للأجيال القادمة.
وتؤكد هذه الانتخابات على الحاجة الملحة إلى المصالحة بين اطياف الشعب الاميركي، وما إذا كان ذلك يمكن أن يحدث يظل غير مؤكد، ولكن هناك شيء واحد واضح: بدون سد هذه الانقسامات، ستستمر الولايات المتحدة في مواجهة عدم الاستقرار السياسي.
في نهاية المطاف، فإن المخاطر في عام 2024 عالية، والانقسامات عميقة، ومن غير الواضح ما إذا كانت الأمة قادرة على إيجاد أرضية مشتركة في السنوات القادمة أو ما إذا كانت الفجوة السياسية والثقافية ستستمر في الاتساع.
وفي كلتا الحالتين، سيتم تذكر انتخابات عام 2024 باعتبارها لحظة محورية في التاريخ الأمريكي، لحظة تعكس التحديات والآمال التي تواجهها أمة منقسمة بشدة.
المصدر: صحيفة الوئام السعودية