عمرو جوهر – كاتب صحفي مقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن
لقد شهد العالم العديد من التوترات الجيوسياسية خلال السنوات الأخيرة، مما أثار المخاوف من احتمال اندلاع صراعٍ عالمي واسع، وربما حرب عالمية ثالثة.
لقد هيمنت الأحداث في أوكرانيا وغزة ولبنان على عناوين الأخبار، وزادت من إدراك عدم الاستقرار العالمي.
وبينما يخشى الكثيرون أن تتوسّع هذه الصراعات الإقليمية إلى شيءٍ أكثر كارثية، فإن تعقيد العلاقات الدولية والردع النووي والترابط الاقتصادي العالمي، تعمل كحواجز كبيرة أمام مثل هذه النتيجة.
ومع ذلك، مِن الأهمية بمكان دراسة نقاط الاشتعال المحتملة والجهات الفاعلة المعنية والمخاطر الأساسية التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم هذه الأزمات.
حرب أوكرانيا
غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، عزز موجات صدمة عبر المجتمع الدولي، مما أعاد إشعال المخاوف من مواجهات على غرار الحرب الباردة، بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.
الواقع أن الصراع تطوّر بالفعل إلى ما هو أبعد من مجرد نزاع إقليمي محلي، إلى حرب بالوكالة أوسع نطاقا، إذ تُقدّم الدول الغربية مليارات الدولارات في هيئة مساعدات عسكرية لأوكرانيا، وفرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا، في محاولةٍ لإضعاف قدرتها على شن الحرب.
لا يمثّل الصراع في أوكرانيا مواجهة عسكرية فحسب، بل يمثل أيضا صداما أساسيا بين الأيديولوجيات الديمقراطية مقابل الاستبداد.
وتلتزم القوى الغربية بضمان عدم وقوع أوكرانيا تحت النفوذ الروسي، وفي الوقت نفسه، تنظر روسيا إلى توسّع حلف شمال الأطلسي، باعتباره تهديدا وجوديا.
وفي حين أدّت الحرب إلى تصعيد التوترات، فمن غير المرجّح أن تؤدي مباشرة إلى الحرب العالمية الثالثة، ويرجع هذا في المقام الأول إلى أن كلا من حلف شمال الأطلسي وروسيا يدرك العواقب الكارثية للمواجهة المباشرة.
ويشكّل وجود الأسلحة النووية على الجانبين عاملا رادعا، يمنع الصراع من التصعيد إلى ما هو أبعد من حدود أوكرانيا، ومع ذلك، فإن مخاطر سوء التقدير أو التصعيد العرضي تظل حقيقية، خاصة مع استمرار الصراع دون نهاية في الأفق.
غزة ولبنان.. برميل بارود
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود في الشرق الأوسط يشعل موجات من العنف، خاصة في غزة، وقد أسفرت التصعيدات في العام الماضي بين حماس وإسرائيل عن خسائر كبيرة في الأرواح والدمار.
لكن الصراع في غزة ليس مجرد قضية محلية، فهو يرمز إلى صراع إقليمي أوسع نطاقا، يشمل لاعبين مثل إيران وسوريا وحزب الله اللبناني، وكل منها لديه مصلحة راسخة في نتيجة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويمثّل لبنان على وجه الخصوص نقطة اشتعال أخرى، فحزب الله، القوة السياسية والعسكرية القوية في لبنان المدعومة من إيران، اشتبكت في كثيرٍ من الأحيان مع إسرائيل.
ومِن الممكن أن تجرّ حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل بسهولة جهات إقليمية أخرى، وهو ما من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار المنطقة، خصوصا بعد اغتيال حسن نصرالله.
ومِن الممكن أيضا أن يؤدي تورّط إيران لاستفزاز رد فعل من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، ما يؤدي لتصعيد الصراع إلى حرب إقليمية.
لكن على غرار الصراع في أوكرانيا، فإنّ مخاطر تحوّل هذه التوترات إلى صراع عالمي، تخفّف من وطأتها حقيقة مفادها أن القوى الإقليمية تدرك حدود العمل العسكري.
فإيران، على سبيل المثال، في حين تتوق إلى توسيع نفوذها، مِن غير المرجّح أن تنخرط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، نظرا للعواقب المدمّرة التي قد تواجهها.
الصين وروسيا
إنّ صعود الصين كقوة عظمى عالمية يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى هذه الصراعات، ففي حين حافظت الصين على موقف محايد نسبيا، بشأن كلّ من أوكرانيا والشرق الأوسط، فإنّ نفوذها المتزايد في الشؤون العالمية يعني أنها قد تلعب دورا محوريا في أي صراع مستقبلي.
وتكمن المصالح الاستراتيجية للصين في الهيمنة الاقتصادية وليس المواجهة العسكرية، لكن دعمها لروسيا وإيران يزيد من التعقيد الجيوسياسي.
ولا تزال الولايات المتحدة الفاعل العالمي الأكثر نفوذا، وهي متورطة بعمقٍ في كلِّ من حرب أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، وتركّز السياسة الأمريكية حاليا على احتواء العدوان الروسي والحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة لحماية حلفائها مثل إسرائيل.
لكن يتعيّن على واشنطن أن توازن بين هذه الأهداف وتنافسها الاستراتيجي مع الصين، وهو ما مِن المرجّح أن يحدّد السياسة العالمية في المستقبل المنظور.
الصراعات في أوكرانيا وغزة ولبنان خطيرة بلا شك، لكن مِن غير المرجّح أن تشعل حربا عالمية ثالثة في المستقبل القريب.
لقد تعلَّم المجتمع العالمي من الحروب المدمِّرة في القرن العشرين، ويفهم معظم قادة العالم العواقب الكارثية لحربٍ عالمية أخرى.
المصدر: صحيفة الوئام السعودية