في صباح الـ16 من أغسطس/آب، استيقظ اليمنيون على انفجار انتحاري دام استهدف مقرا عسكريا في أبين، ما أعاد مجددا لفت أنظار العالم صوب تهديدات القاعدة.
ودقَّ الهجوم الذي خلف 36 قتيلا ومصابا جرس إنذار، وأعاد تحليق الطائرات الأمريكية المسيرة في أجواء البلاد، والتي نفذت في 26 أغسطس/آب، ضربة لاصطياد خبير التفخيخ والمتفجرات في تنظيم القاعدة عثمان النجدي في مأرب ولايزال مصيره غامضا منذ أكثر من أسبوع.
وميدانيا، تسلم نائب رئيس المجلس الرئاسي، قائد قوات العمالقة، العميد عبدالرحمن المحرمي, ملف مكافحة الإرهاب وإعادة هيكلة كافة القوات الأمنية في جنوب اليمن لتصبح أكثر فاعلية وتماسكا في وجه التهديدات.
ولم تكن هذه الإجراءات الوقائية والاستباقية لتحدث لولا أجراس الهجمات الانتحارية التي يكشف مسار انحرافها من الشمال إلى الجنوب خلال 10 أعوام، وتحول تنظيم القاعدة إلى مظلة عريضة تخفي بصمات الحوثي في استثمار هذا الإرهاب وإدارته لخدمة أجنداته السياسية.
تغير البؤر الإرهابية
كانت ديناميكيات التنظيمات غير واضحة المعالم عام 2015، إثر الاشتباك المتداخل في أكثر من محافظة، لكن الصورة تجلت في الأعوام الأخيرة بشأن المناطق والبؤر الملتهبة والنشطة على الساحة اليمنية الموزع نفوذها بين الحكومة المعترف بها ومليشيات الحوثي.
ووجدت “العين الإخبارية” عند تحليل إحصاء الهجمات الانتحارية، أن 7 محافظات خاضعة للحكومة المعترف بها دوليا تعرضت لنحو 109 هجمات انتحارية وأُحبط 52 تفجيرا انتحاريا غالبيتها بسيارات مفخخة ضمن إجراءات استباقية.
وكانت عدن هي أعلى محافظة استهدفتها مفخخات التنظيمات لرمزيتها كعاصمة مؤقتة للحكومة المعترف بها دوليا بنسبة وصلت لما لا يقل عن 48 هجوما، وكانت مستهدفة بشكل مشترك من الحوثي والقاعدة وداعش.
وحلت محافظة أبين ثانيا بنسبة 24 هجوما انتحاريا للقاعدة، ومحافظة حضرموت ثالثا بواقع 18 هجوم للقاعدة وداعش، وتأتي شبوة في المرتبة الـ4 بنحو 10 هجمات تلتها لحج بنحو 6 هجمات للقاعدة والحوثي ثم مأرب هجومان للحوثي والمخا هجوم حوثي واحد.
في المقابل، وقع 27 هجوما في 4 محافظات فقط خاضعة للحوثيين منها محافظة متداخلة النفوذ، وكانت العاصمة صنعاء هي أعلى محافظة ضربتها التفجيرات بواقع 14 هجوم وتبرأت القاعدة منها وتبنى داعش معظمها وكذا البيضاء 11 هجوما إضافة إلى هجومين في إب والحديدة.
ويكشف الخط الزمني لهذه الهجمات، أن غالبية التفجيرات في مناطق الحوثي كانت بين يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز 2015، قبل تغير المسرح كليا للإرهاب نحو مناطق الحكومة المعترف بها دوليا منذ سبتمبر/أيلول من نفس العام وحتى أغسطس/آب 2024.
ويكمن سبب هذا التغير، في ردة الفعل المشتركة والمنسقة للتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش والحوثيين على تحرير عدن في يوليو/تموز 2015 من قبل قوات التحالف العربي وقوات جنوبية دُربت حديثا وإطلاقها معركة مكافحة الإرهاب جنبا إلى جنب مع إنهاء الانقلاب.
الرصد الزمني
ويقدم الرصد الزمني لوقوع الهجمات خاصة في عدن أنه منذ عام 2023 توقفت الهجمات للمرة الأولى، إذ لم يسجل فيها أي هجوم، فيما لازالت أبين هي البؤرة الأكثر نشاطا حتى هذا العام في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية.
وتوزع الـ48 هجوما على كافة مديريات عدن، وتركزت الغالبية العظمى منها في خور مكسر والمنصورة والشيخ عثمان والبريقة والتواهي وكريتر، حيث تقع المقار والدوائر التابعة للسلطات المعترف بها، وأُحبط 15 هجوما قبل وقوعه من قبل القوات الأمنية في المحافظة.
زمنيا، سجل 2016، أعلى رقم بواقع 23 هجوما وحل 2021 ثانيا بواقع 7 هجمات، فيما تساوت أعوام 2015 و2017 و2018 بمعدل 4 هجمات لكل عام، فيما شهد 2022 نحو 3 هجمات، إضافة إلى هجومين منسقين للحوثي وداعش في 2019، أعقبه هجوم للحوثي عام 2020 باستهداف طائرة الحكومة اليمنية في مطار عدن.
وفي محافظة أبين، وقعت معظم الهجمات الانتحارية عام 2017 الذي شهد 9 هجمات انتحارية، منها هجوم مزدوج، يليه عام 2016 بنحو 3 هجمات وعملية إحباط، وكان هناك 8 هجمات وعملية إحباط واحدة خلال أعوام 2018, و2019 و2022 و2023 بواقع هجومين لكل عام ووقعت 4 هجمات في (2015- 2020- 2021 – 2024) بواقع هجوم واحد لكل عام.
وفي حضرموت، وقعت معظم الهجمات عام 2016, منها 13 هجوما انتحاريا، قابله 24 عملية استباقية، وشهد هذا العام عملية تحرير المكلا من جاثوم القاعدة التي كانت تسعى لاتخاذها إمارة عالمية، وشهد عام 2015 هجومين، فيما رُصد وقوع خلال (2017-2021-2023) انفجار واحد لكل عام.
أما شبوة، فوقع عام 2018، نحو 5 هجمات يليه هجومان عام 2017, فيما كان هناك 3 هجمات موزعة على أعوام (2015-2016-2020)، بمعدل هجوم لكل عام، ولم يسجل منذ عام 2021 أي هجمات انتحارية في المحافظة التي لا تزال مسرحا نشطا للهجمات الفردية والجوية والمسلحة للقاعدة وسط جهود مكثفة لمكافحة الإرهاب.
وفي محافظة لحج، وقعت 6 هجمات وقابله 6 عمليات استباقية، إذ وقعت 3 هجمات عام 2016، وشهد عام 2017، هجومين وهجوم ثالث نفذه الحوثيون بسيارة مفخخة عام 2022.
وكانت لحج بوابة عبور للسيارات المفخخة إلى عدن إثر منح مليشيات الحوثي بطاقات مزورة لعناصر تنظيم القاعدة الإرهابي لتسهيل تنقلاتهم، وقد ضُبط عام 2018, نحو 4 مركبات ملغومة للقاعدة كلها كانت قادمة من البيضاء الخاضعة للحوثيين لضرب أهداف في العاصمة المؤقتة، وضُبطت مركبتان أخرى عامي 2016 و2017.
في مأرب، وقع هجومان، الأول عام 2022 والآخر عام 2023, وكان هذا الأخير يستهدف اغتيال رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن صغير بن عزيز ونجا منها، فيما شهدت مدينة المخا هجوما بدراجة نارية مفخخة عام 2019 ونجحت الأجهزة الأمنية هناك من وأد الكثير من أنشطة الحوثيين وإسقاط مخططاتهم قبل وقوعها.
أبرز المستهدفين والضحايا
ركزت غالبية الهجمات الانتحارية في مناطق الحكومة اليمنية، على الشخصيات الفاعلة والمحورية في مناصب الدولة العليا وممن يتمتع بثقل أمني وعسكري وسياسي وحتى إعلامي، إذ طالت ما لا يقل عن 27 شخصية، غالبيتهم كانوا من قيادات المجلس الانتقالي.
وأبرز هذه الشخصيات، كان رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في الحكومة اليمنية اللواء شلال شائع والذي تعرض لنحو 4 تفجيرات عند قيادته أمن عدن، فيما كان نائب رئيس المجلس الرئاسي اللواء عيدروس الزبيدي عرضة لـ3 هجمات إبان عمله محافظا لعدن.
كذلك استهدفت القاعدة بهجومين مقار تواجد نائب رئيس المجلس الرئاسي اللواء فرج البحسني، وهو معدل مماثل تعرض له أحمد لملس، منها هجوم خلال عمله الحالي محافظا لعدن وهجوم عندما كان محافظا لشبوة.
وأفلت رئيس الحكومة اليمنية سابقا معين عبدالملك ووزراء حكومته من هجوم صاروخي حوثي على مطار عدن، فيما كان أبرز من نجوا من تفجيرات السيارات المفخخة هم نائب الرئيس السابق خالد بحاح ومحافظ حضرموت سابقا اللواء أحمد بن بريك، ومحافظ لحج سابقا ناصر الخبجي، ورئيس العمليات المشتركة اللواء صالح الذرحاني ومدير أمن لحج سابقا اللواء صالح السيد، وأحبط هجوم بمركبة على قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء فضل حسن قائد أول نصر ميداني ضد الحوثي في معركة تحرير عدن.
كما نجا وزير الزراعة والثروة السمكية اللواء سالم السقطري، وقائد قوات الحزام الأمني العميد محسن الوالي وقائد اللواء الثالث دعم وإسناد العميد نبيل المشوشي، وكذا مدير أمن لحج سابقا العقيد عادل الحالمي، بالإضافة لرئيس هيئة الأركان العامة الفريق صغير بن عزيز أحد أوائل المحاربين للحوثي في صعدة من هجمات بسيارات مفخخة متوقفة وعبوات مثبتة.
وكان أبرز الشخصيات التي نجت لكنها تعرضت للإصابات بهذه الهجمات، هم قائد المنطقة العسكرية الأولى سابقا اللواء عبد الرحمن الحليلي، بعد إفلاته من هجوم سابق، ومدير أمن أبين سابقا العميد عبدالله الفضلي، ومدير أمن ساحل حضرموت العميد مبارك العوبثاني.
أما أبرز الشخصيات الذي تعرضت للاغتيال في هذا النوع من الهجمات، محافظ عدن السابق، اللواء جعفر سعد، وقائد اللواء الأول دعم وإسناد العميد منير أبواليمامة، واللواء ثابت جواس قائد قاعدة العند العسكرية الخصم التاريخي للحوثيين بعد إفلاته من هجوم سابق، وكذا خصم القاعدة المعروف العميد عبداللطيف السيد قائد الحزام الأمني في أبين الذي لقي حتفه العام الماضي.
وإعلاميا، قُتل الصحفي صابر الحيدري في هجوم والصحفية رشا الحرازي في هجوم استهدف سيارة زوجها الصحفي محمود العتمي بعبوة لاصقة، وهو نمط لوحظ استخدامه منذ عام 2021 وركز على الفاعلين غير المحاط بهم إجراءات أمنية وحراسات مشددة من العامة.
aXA6IDEzNS4xODEuMTEuMTYyIA== جزيرة ام اند امز
مصدر الخبر الأصلي: صحيفة العين الاخبارية