علي بن سالم كفيتان
لم يكن متوقعًا سقوط كل هؤلاء القادة في غضون أسبوع واحد، وهذا يطرح تساؤلات كثيرة يصعب إيجاد إجابات شافية لها في وقتنا الحاضر؛ فانهيار منظومة القيادة بحزب الله كان بمثابة الزلزال، في الوقت الذي يرى فيه المتابعون للأحداث في الشرق الأوسط، أن الحزب ما يزال في مرحلة الإحماءات، ولم يدخل المباراة بعد، لكن الظاهر أن السيد الحكم جو بايدن في آخر مشوار سياسي في حياته لم يستجب للعودة إلى “الڤار” رغم صراخ حكام الدكة الإيرانيين والمناصرين العرب، أن هناك ضربة جزاء مُستحقة للطرف الآخر.
نعيش في الشرق الأوسط منذ عام تقريبًا أسوأ مباراة سياسية وعسكرية على الإطلاق، وصدقنا السيناريو أمام زخم الجمهور الوهمي وملايين المتابعين عبر الشاشات، وهم يجرُّون أنفاس المعسل بكل النكهات ويرتشفون الشاي الأحمر بالنعناع في الأجواء المفتوحة في مطاعمهم ومقاهيهم العامرة، وفي آخر الليل وقبل أن يأخذوا مفاتيحهم ومسابحهم من على الطاولات وهم يرددون “نحن مع القضية”، يهجعون بعدها على آرائكهم المُنعمة غير آبهين بآلاف الضحايا والمشردين إلى صبيحة اليوم التالي. إذ بعد فطور باذخ، لا مانع من تصفُّح منصات التواصل الاجتماعي لمتابعة أحوال القضية وقذف مجموعة تغريدات تحمل العلم الفلسطيني واللبناني، ولا مانع من اليمني كونه أطلق صاروخًا بالأمس تسبب في إزعاج جموع المستوطنين في صحراء النقب وأطراف تل أبيب!
تبقّت أيام معدودة على ولاية السيد بايدن، وخلال تاريخه الطويل المناصر للصهاينة لم يكن ليغادر البيت الأبيض قبل منحهم هدية تاريخية تٌنقذ السفّاح نتنياهو من السقوط، وتُعيد الهيبة للكيان الغاصب، الذي مُرغ أنفه في التراب طيلة عام، وفي ذات الوقت يكون بمثابة مهر للوبي الصهيوني الأمريكي لنصرة السيدة هاريس، بحيث يمثل الحدث الضربة القاضية لترامب وتزلفاته المتكررة للمنظمات الصهيونية، لكسب أصوات اليهود في أمريكا، بمسح إيران من الوجود! وأنه إذا لم يفز في الانتخابات سيختفي وكليهم في المنطقة من خارطة الشرق الأوسط (إسرائيل). فقد بيّن العجوز بايدن لترامب الذي دأب على اتهامه بالخرف أنَّ الرصاصة الأخيرة لا زالت بحوزته، وأطلقها بالأمس في الضاحية الجنوبية للبنان؛ لرفع أسهم الديموقراطيين والظفر برئاسة ثانية للولايات المتحدة الأمريكية.
مخطئ تمامًا من يعتقد أن العاطفة البشرية وحقوق الإنسان هما اللذان يحكمان العالم؛ فالعالم تحكمه المصالح الاقتصادية المدعومة بالقوة العسكرية والتطور التكنولوجي، لذلك لا يجب التباكي على مصاطب الأمم المتحدة والجامعات والمنظمات الإقليمية لطلب الرحمة من دول لا تعرف إلّا القوة.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة إقليمية تستند الى إرث حضاري فارسي، مثلها مثل تركيا التي تحاول إحياء تاريخها العثماني، وكليهما يطمعان في تحويل الصراع بينمها وبين الغرب الى ساحة ثالثة، وهذا ما يحصل اليوم على أرض الواقع؛ فقد أصبحت الدول العربية ساحات حرب لتصفية أطماع أمم أخرى؛ فالحضارة الغربية تُدافع عن منجزاتها في تهذيب البشرية، وابتكار طرق عيش حديثة، وفرض أنظمة اقتصادية وسياسية واجتماعية على العالم، وهناك تدافع بينها وبين الكتلة الشرقية، التي باتت تُرمِّم قلاعها الشمولية، وتعرض نفسها كبديل للهيمنة الغربية، ومع كل ذلك لا زلنا كعرب مذعورين من هول ما حلَّ بنا من الحليف الغربي الذي نكص بكل عهوده ومواثيقه معنا، وأصبح متمترسًا خلف صنيعته في المنطقة (الكيان الصهيوني)؛ فهي اليوم عبارة عن مخلب حضارتهم النفعية في الشرق الأوسط، لذلك رأينا كيف ترنحت تحت وقع السابع من أكتوبر 2023، وكيف انتفضت بالأمس القريب في الضاحية الجنوبية، ولا يمكن لمحللٍ سياسي دارس لوضع الكيان خلال عام توقع ذلك منه، بعيدًا عن الولايات المتحدة الامريكية التي تنفض يدها بعد كل حادثة اغتيال أو قصف عشوائي للمدنيين، علمًا بأن أسلحتها هي المستخدمة في تلك الهجمات، وبياناتها التكنولوجية والاستخباراتية هي التي دلّت على الأهداف المطلوبة بدقة، وأساطيلها الراسية في البحر المتوسط هي الحامية لأي جسم قد يؤذي صنيعتها، وهو ذات الدور الذي عبّرت عنه إيران الإصلاحية مؤخرًا، من خلال رئيسها الجديد الذي نفى تنسيق حماس او حزب الله او أنصار الله معهم خلال عملياتهم في المنطقة. فهل يجب علينا أن نراجع أنفسنا كعرب بعد ان اصبحنا ساحات حرب لأمم أخرى تتصارع لحكم العالم؟ لا أدرى كم من وقت سنحتاج لاستيعاب ذلك!
إسماعيل هنية وحسن نصر الله- رحمهما الله- اللذين اغتالتهما أمريكا باسم الكيان الصهيوني، كلا الرجلان يؤمنان بقضية، لكن ليس بالضرورة أن يكونا متطابقين تمامًا في جميع الأفكار والآراء، غير أنهما اتفقا على عدوٍ مشترك، ودَفَعَ كل منهما حياته ثمنًا للقضية التي يؤمن بها، ومن خلفهما آلاف الشهداء في البلدين: فلسطين ولبنان. العقيدة القتالية هنا تقف أمام الصلف والإجرام الأمريكي الصهيوني الغربي، وقد ثبت في جميع التجارب السابقة التي تواجه فيها العقيدةُ الجبروتَ، أن العقيدةَ تنتصرُ في النهاية، مهما كان عدد الضحايا، ومهما كانت فداحة النكسات، وتصفيق الخونة على جثامين الأبرياء والمناضلين التوّاقين للحرية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية