في زمن الحرب، يتناسى مشجعو كرة القدم في أوكرانيا الخصومات، ويجدون لحظة من البهجة والهدوء في المباريات.
وفي مباريات كرة القدم في أوكرانيا، يتم تحديد أعداد الجماهير في المدرجات من خلال سعة أقرب ملجأ لتفادي القنابل.
ولأول مرة منذ بدء الحرب الشاملة عام 2022، ينظم الدوري الأوكراني الممتاز موسما كاملا بحضور الجماهير، حيث تم تخفيف حظر الأحكام العرفية على التجمعات العامة.
ورغم تهديد الضربات الجوية الروسية المستمر، سارع مشجعو دينامو كييف لشراء 1700 تذكرة متاحة لكل مباراة على أرضهم في ملعب (فاليري لوبانوفسكي) الذي يتسع لـ 16 ألف مقعد، ويحرص العديد من المشجعين على تجربة لحظة نادرة من الهدوء، خالية من التنافسات الرياضية الساخنة التقليدية في البلاد.
وبينما أجبرت الحرب فريق دينامو كييف على نقل مبارياته على أرضه في الدوري الأوروبي لمدينة هامبورج بألمانيا، فإنه يستخدم ملعبه الرئيسي في العاصمة الأوكرانية لإقامة مبارياته بالدوري المحلي.
وأتى فيتالي كوزوبرا بابنه ماكار، البالغ من العمر 9 سنوات، لمشاهدة دينامو، المنافس على اللقب، وهو يواجه زوريا لوهانسك، النادي الذي نزحت جماهيره من معقلهم في شرق أوكرانيا بسبب الهجمات الروسية.
وقال كوزوبرا “رغم أن هناك حربا مستمرة، فإنه مازال بإمكان الناس الاستمتاع معا بكرة القدم”، في إشارة للأجواء الودية داخل الملعب، حيث اختلط مشجعو زوريا بالسكان المحليين.
من جانبه، أبدى ماكار دهشته من الفارق بين مشاهدة المباراة من المدرجات ومتابعتها على شاشة التلفاز.
وعندما دخل اللاعبون لأرض الملعب، وهم يرتدون جميعا الأعلام الأوكرانية الصفراء والزرقاء، انفجر الجمهور، الذي ضم عسكريين وأسراً مع أطفالهم، بالتصفيق.
كان الملعب يعج بأصوات لاعبي الفريقين وصوت الكرة. وهرع الأطفال إلى خط التماس للحصول على توقيعات اللاعبين الأجانب القلائل من البرازيل والسنغال وساحل العاج وبنما الذين اختاروا البقاء في البلاد رغم الحرب، فيما لم يتعرض فريق زوريا لصافرات الاستهجان من جانب الجماهير ولو لمرة واحدة.
وتمكن الدوري الأوكراني الممتاز، المكون من 16 فريقا من الاستمرار، رغم التحديات المتزايدة، وتقرر أن تقام المباريات في وقت مبكر بعد الظهر بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر والتحديات اللوجستية للسفر عبر ثاني أكبر دولة في أوروبا أثناء الحرب.
وربما يتعطل اللعب لساعات في بعض الأحيان، بسبب صافرات الإنذار من الغارات الجوية، التي تنطلق من مكبرات الصوت وآلاف الهواتف المحمولة، حيث يتوجه خلالها اللاعبون والمشجعون على حد سواء إلى الملاجئ.
وقال أندري شاخوف، المتحدث باسم دينامو كييف”هذا الموسم، كنا محظوظين في كييف، حيث لم يتم إطلاق أي إنذارات جوية خلال مبارياتنا على ملعبنا”.
واستدرك “لكن الأمر كان مختلفا بالنسبة للمباريات خارج قواعدنا. استمرت أطول مباراة لنا 4 ساعات ونصف الساعة بسبب إطلاق 4 إنذارات جوية”.
ويخضع لاعبو كرة القدم الأوكرانيين للتجنيد في سن 25 عاما، لكن يمكن للأندية التقدم بطلب للحصول على إعفاءات بموجب قواعد حماية الأعمال.
ويلعب فريقان حاليا بشكل دائم خارج ملعبيهما بسبب الحرب، وسط اضطرابات أوسع نطاقا، بينما انسحب فريقان آخران بعد بدء القتال بسبب الأضرار التي لحقت بملعب كل منهما.
ويعود تاريخ كرة القدم في البلاد إلى ماضيها السوفييتي، عندما كانت قوة كروية عظمى، تنتج لاعبين ومدربين من الطراز الرفيع، وفي الثمانينيات من القرن الماضي، أصبحت حركات المشجعين غالبا تعبر عن الهوية الأوكرانية، وتتحدى السلطات السوفييتية.
وبعد أن أعلنت أوكرانيا استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991، استمرت كرة القدم في كونها مصدرا للفخر الوطني خلال سنوات من الاضطرابات السياسية والمالية.
وتأهل المنتخب الأوكراني لدور الثمانية في كأس العالم عام 2006 بألمانيا، كما شاركت أوكرانيا في استضافة كأس الأمم الأوروبية (يورو 2012) مع بولندا.
وفي الداخل، وضعت مجموعات المشجعين الخصومات العنيفة جانبا لأكثر من عقد من الزمان، منذ أن توحدوا لدعم المحتجين خلال الانتفاضات التي جرت عامي 2013 و2014 ضد النفوذ الروسي، وفي وقت لاحق، نظموا حملات تجنيد للقتال في الحروب التي تلت ذلك.
وأوضح دكستر، وهو أحد مشجعي دينامو كييف، والمقاول المدني في الجيش الأوكرانية، سبب استمرار الهدنة بين مجموعات المشجعين المتنافسة.
وقال دكستر، أثناء نزهة مع كلبه على ضفاف نهر دنيبرو “لقد أصبح ذلك ضروريا لأننا كنا بحاجة للاتحاد ضد عدو مشترك. فقدت هذه الصراعات الداخلية أهميتها عندما انتهى الأمر بأشخاص من مجموعات المشجعين المتنافسة إلى القتال معا في نفس الوحدات العسكرية”.
ألمح دكستر إلى أن منظمات المشجعين تشارك في كل جانب تقريبا من جوانب المجهود الحربي، من الخدمة القتالية الفعلية إلى جمع التبرعات ودعم المحاربين القدامى وتوفير المهارات الفنية مثل برمجة الكمبيوتر للجيش.
ويقدر مسؤولو دينامو أن أكثر من 80% من جماهيرهم قبل عام 2022 يخدمون الآن في الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا أو يؤدون مهام عسكرية أخرى.
وعلى بعد 8 ساعات شرق كييف، في منطقة خاركيف المتاخمة لروسيا، لعب جنود من اللواء الهجومي الثالث مباراة في أحد الملاعب بالقرب من المباني المدمرة، وتم تجنيد العديد من هؤلاء المقاتلين من خلال قنوات وصلات مرتبطة بكرة القدم.
وقال أحد الجنود، وهو من مشجعي دينامو، الذين يتواجدون في مهمة قتالية حاليًا: “يلعب المشجعون المنظمون دورًا كبيرًا في هذه الحرب لأنهم متحمسون للغاية”.
وأشار “بولتافا” وهو طبيب عسكري إلى أن كرة القدم تظل وسيلة حيوية لتعزيز الروح المعنوية، حيث قال: “نجتمع كلما سنحت لنا الفرصة ونستأجر أماكن للعب. لا يوجد الكثير من الترفيه هنا، لذا فإن كرة القدم هي متعتنا الوحيدة”.
في كييف، كان مشجع لدينامو يدعى إسكوبار، ممتنًا لحضور مباراة أثناء إجازته، التي قضاها في عاصمة أوكرانيا قبل العودة إلى الجبهة.
قال الجندي، وهو يرتدي زيا عسكريا وقبعة مموهة، بعد فوز دينامو 2 / صفر على زوريا: “هذه هي كرة قدم، إنها لعبة. لا توجد مشاعر سيئة بين الفريقين، ومن الرائع أن نرى مثل هذه الأجواء الودية”.
وأحرز فيتالي بويالسكي وماكسيم براهارو هدفي دينامو في الشوط الثاني، ورغم أن لاعبي زوريا بدوا محبطين أثناء مغادرتهم الملعب، فإنهم ظلوا يحظون بالتشجيع والتحية من الجماهير.
المصدر: صحيفة الوئام السعودية