طفرة النفط الأميركي تجعل هاريس مؤيدة لحقن مكامنه

طفرة النفط الأميركي تجعل هاريس مؤيدة لحقن مكامنه

يحقّ لكامالا هاريس أن تدعي بأنها من أعمدة أكثر الإدارات الأميركية نفعاً لصناعة الوقود الأحفوري في تاريخ الولايات المتحدة، فقد ارتفع إنتاج النفط والغاز المحليين وكذلك هوامش التكرير وأرباح شركات القطاع إلى معدلات قياسية خلال عملها نائبةً للرئيس جو بايدن. تتصدر الولايات المتحدة حالياً قائمة منتجي النفط في العالم، وتضخ يومياً كمية نفط خام تفوق بنحو 50% ما تنتجه المملكة العربية السعودية. 

لكن ذلك يبدو متناقضاً مع إدارة تعهدت بإحداث قفزة ثورية في مجال الطاقة النظيفة قبل أربع سنوات، وأعادت انخراط البلاد في اتفاق باريس للمناخ منذ أول أيامها توليها السلطة. كان أكثر إدهاشاً أن هاريس بنَت رصيدها السياسي على مجابهة لكبرى شركات النفط في المحاكم على خلفية انتهاكات بيئية حين كانت المدعية العام لولاية كاليفورنيا.

كما أنها صرّحت خلال حملتها  للانتخابات التمهيدية الماضية للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة أنها “بلا شك” ستحظر التصديع المائي (التكسير الهيدروليكي) إن تولت الرئاسة، لكنها تراجعت عن موقفها هذا. 

سيطرة الشركات الخاصة على إنتاج النفط الصخري 

إن سيطرة الحكومة الأميركية على شركات النفط في البلاد في الواقع أقل بكثير من حكومات السعودية وروسيا وغيرها من أكبر الدول إنتاجاً للنفط، وفيها يقرر المسؤولون الحكوميون حجم الإنتاج. أما في الولايات المتحدة فتهيمن شركات تعمل في أراض ملكيتها خاصة على إنتاج النفط الصخري، وهو النوع الذي حقق المساهمة الأكبر في نمو إنتاج النفط الأميركي على مرّ العقد الماضي.

وتدير ولايات مثل نيومكسيكو وداكوتا الشمالية وتكساس معظم الشؤون التنظيمية الروتينية، وهي غالباً ما ترحب بما تجلبه صناعة عن النفط والغاز من مال ووظائف. قال مايك سمرز، الرئيس التنفيذي لمعهد النفط الأميركي، أكبر مجموعة ضغط في القطاع: “أعتقد أن الزيادة في الإنتاج خلال السنوات الأربع الماضية أتت برغم سياسات بايدن لا بفضلها”. 

خفّفت هاريس من حدّة خطابها المناهض للوقود الأحفوري الذي طبع حملتها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية لعام 2020، وربما لديها سبب وجيه لذلك، لا يتقصر على كون بنسلفانيا، وهي إحدى الولايات المرجحة، تقع في قلب أكبر حوض غاز صخري في البلاد.

إن بعض الخطوات المتخذة في بداية عهد بايدن، مثل إلغاء خط أنابيب غاز “كيستون إكس إل” (Keystone XL) ووقف بيع رخص الحفر على الأراضي والمياه الاتحادية ربما دعمت مصداقية الإدارة على صعيد البيئة، لكنها أضعفت موقف للبيت الأبيض حين ارتفع سعر البنزين في جميع أرجاء البلاد بعدما اجتاحت روسيا أوكرانيا، فقد تجاوزت أسعاره للمستهلكين عتبة 1.30 دولار لليتر في يونيو 2022.

وقال روبرت جونستون، مدير البحوث في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا “حين ترتفع الأسعار على هذا النحو،  فإنها تصبح أولوية سياسية بغض النظر عن الحزب الموجود في البيت الأبيض”.

توجيه السخط نحو شركات النفط

حاول بايدن توجيه السخط الشعبي نحو شركات النفط التي اتهمها بالتلاعب بالأسعار، وكان لافتاً هجومه على شركة “إكسون موبيل” (Exxon Mobil) التي قال إنها تحقق أرباحاً مفرطةً جداً فيما تعاني الأسر الأميركية من أشد تضخم منذ ثمانينات القرن الماضي، لكن موقفه لم يلق آذاناً صاغية، وبدأت تنتشر ملصقات عند محطات الوقود على امتداد البلاد يبدو فيها بايدن مبتسماً مع عبارة “أنا تسببت بذلك”.

على الصعيد الانتخابي، حمّل المرشح الجمهوري دونالد ترمب بايدن فيما مضى وهاريس حالياً مسؤولية التسبب بأزمة التضخم التي ما يزال الناخبون يقولون إنها تتصدر همومهم الاقتصادية. وهو يؤكد أن سياسة الطاقة التي يطرحها والتي تشجع على استخراج النفط والغاز ستزيد من إنتاجهما فتقلّص أسعار الطاقة إلى النصف، فيما أن إدارة هاريس “ستقضي على الوقود الأحفوري”.

بيّن رامانان كريشنامورتي، أستاذ الطاقة في جامعة هيوستن، أن رتفاع أسعار الوقود في 2022 دفع إدارة بايدن–هاريس إلى تغيير بعض سياساتها التي قد تلحق ضرراً بإنتاج النفط الخام على المدى القصير. وقال: “تحوّل النهج من تصادمي إلى تفهّم لضرورة التكيف مع قطاع النفط والغاز من أجل خير الاقتصاد”.

فيما استمر بايدن وهاريس في انتقاد كبرى شركات النفط، تجنّبا تبني سياسات تحظى بتأييد بعض الديمقراطيين في الكونغرس، مثل تحديد سقف لصادرات النفط والوقود. في حين كان من شأن ذلك أن يسهم في تخفيف معدلات التضخم على المدى القصير، إلا أنه يأتي على حساب تقييد الإمدادات في المستقبل. بدل ذلك، ناشد البيت الأبيض علناً شركات التنقيب عن النفط الصخري لضخ مزيد من النفط الخام، وأفرج عن ملايين البراميل من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي.

تأثير الإفراج عن الاحتياطي الاستراتيجي 

آتت هذه السياسة أكلها، فأسهمت في خفض سعر البنزين والديزل والبتروكيماويات، التي تشكّل العمود الفقري لشريحة واسعة من الاقتصاد الأميركي، إذ أسهمت في الحدّ من التضخم، ما يمهّد لخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أربع سنوات.

وكان قانون المناخ التاريخي الذي أطلقت عليه إدارة بايدن تسمية “قانون كبح التضخم” من أجل تسهيل تمريره في الكونغرس، قدم حوافز لإنتاج الطاقة المتجددة واعتماد التقنيات منخفضة انبعاثات الكربون، بما يشمل احتجاز الكربون وغاز الهيدروجين، وغيرها من التقنيات التي تحظى بدعم قطاع النفط. والأهم أن القانون لم يتضمن سوى عدد محدود من الإجراءات العقابية ضد الوقود الأحفوري. حتى أن الرئيس التنفيذي لشركة “إكسون”، دارين وودز، أعلن خلال مؤتمر خاص بالقطاع في مارس أنه “يدعم بقوة” هذا القانون .

وقال كينيث ميدلوك، المدير الأعلى لمركز دراسات الطاقة في جامعة “رايس”: “لقد اختاروا المسار الذي عادة ما ينجح في الولايات المتحدة، المستند إلى الحوافز والتشجيع، بدل الضرائب والغرامات”. واعتبر أن قرار إدارة بايدن-هاريس في يناير بتجميد الموافقات على محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة لا يتعدى كونه “إشارة سياسية” يُرجح أن تتراجع عنها الإدارة بعد الانتخابات. (وكان قاضٍ اتحادي قد أصدر حكماً ضد تجميد الموافقات في يوليو).

وفي حين تدعم كبرى شركات النفط قانون كبح التضخم، إلا أنها غير مستعدة حتى الآن لدعم هاريس. يبين موقع “أوبن سيكرتس” (OpenSecrets)، الذي يتتبع الإنفاق الانتخابي، آلت نحو 88% من تبرعات قطاع النفط والغاز السياسية وقدرها 129 مليون دولار في الدورة الانتخابية الحالية إلى مرشحين جمهوريين ومجموعات متحالفة معهم.

فيما تتعهد هاريس بتبني التطور الذي أحدثه بايدن لناحية إقامة اقتصاد يستند إلى الطاقة النظيفة، ومحاسبة الملوثين والعمل على الصعيد الدولي من للبناء على التعهدات المناخية الدولية والوطنية، مثل اتفاق باريس، كان لافتاً تكرار دعمها للتصديع المائي وإشادتها بنمو إنتاج الوقود الأحفوري مرتين خلال مناظرتها الرئاسية مع ترمب في 10 سبتمبر.

وقالت: “شهدنا أكبر زيادة في إنتاج النفط المحلي في التاريخ بفضل مقاربة تعترف بأننا لا نستطيع أن نبالغ في الاعتماد على النفط الأجنبي”.

باختصار

المقال يتناول تناقض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس فيما يتعلق بسياسات الطاقة. فبالرغم من التزام الإدارة بالتحول إلى الطاقة النظيفة وإعادة الانضمام لاتفاق باريس للمناخ، حققت الولايات المتحدة مستويات قياسية في إنتاج النفط والغاز خلال فترة حكمهما. 

يُشير المقال إلى أن الإدارة خففت من حدة خطابها المناهض للوقود الأحفوري نتيجة الضغوط الاقتصادية، لا سيما ارتفاع أسعار الوقود في 2022، مما أدى إلى تبني سياسات تدعم قطاع النفط. ورغم ذلك، تواجه هاريس انتقادات من الجمهوريين، بينما تسعى للتوازن بين دعم الوقود الأحفوري والطاقة النظيفة.

المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *