“سي إن إن” وترامب.. حربٌ لا تنتهي

“سي إن إن” وترامب.. حربٌ لا تنتهي

عمرو جوهر – كاتب صحفي مقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن

منذ الحملة الرئاسية الأمريكية لعام 2016، اتسمت العلاقة بين دونالد ترامب، الرئيس السابق، ووسائل الإعلام، خاصة “سي إن إن”، بالتوتر والاتهامات وانعدام الثقة.

ويتمثّل جوهر هذا الصراع في ادّعاء ترامب وأنصاره بأن “سي إن إن” استخدمت استراتيجية متعمَّدة “استمِر في الكذب حتّى يُصدِّقوك”، بهدف تشويه سمعة رئاسته وتشكيل التصوّر العام ضده.

كانت حملة ترامب ورئاسته مليئة بالمواجهات مع وسائل الإعلام، وأبرزها “سي إن إن”، وكثيرا ما وصف ترامب الشبكة بأنها جزءٌ من وسائل إعلام “الأخبار المزيّفة”، متهما إياها بالتحيّز والتحريف ضده، حتى عندما أصبح رئيسا، مؤكدا أنها تعمّدت الحديث بشكل سلبي عنه.

من ناحية أخرى، أكدت شبكة “سي إن إن” أنّ تقاريرها كانت مبنيةً على الحقائق، وأن تصرّفات ترامب هي التي دفعت الكثير مِن التغطيات الصحفية النقدية ضده.

وباعتبارها شبكة إخبارية تعمل على مدار الساعة، أشارت “سي إن إن” إلى العديد من الخلافات المحيطة بإدارة ترامب، مِن التحقيق في روسيا إلى تعامله مع “كوفيد-19″، الأمر الذي وضع الشبكة غالبا في خلاف وصدام مع الرئيس، بسبب تصرّفاته التي اعتبرتها الشبكة مثيرةً للشّكوك.

ادّعاءات الكذب والتحريف

يشير منتقدو “سي إن إن” إلى العديد من القصص الصحفية الشهيرة التي رُوجعت وأُثبِتَ أنها كانت غير صحيحةٍ عن ترامب لاحقا.

على سبيل المثال، في أثناء التحقيق في التدخل الروسي بانتخابات عام 2016، قامت العديد من وسائل الإعلام، بما في ذلك “سي إن إن”، بتغطية واسعة النطاق للادعاءات بأن حملة ترامب تواطأت مع المسؤولين الروس.

وعلى الرغم من أن التحقيق لم يجد أدلة قاطعة على التواطؤ، يزعم المنتقدون أن التركيز الشديد لشبكة “سي إن إن” على القضية، خلق رواية مضللة مقصودة ضد ترامب.

يزعم المحافظون أيضا أن الاستخدام المتكرر لشبكة “سي إن إن” لمصادر مجهولة، خاصة خلال السنوات الأولى من رئاسة ترامب، أسهم في تصوّر أن الشبكة كانت تدفع بأجندة، بدلا من تقديم الأخبار بموضوعية، وقد أدّى هذا إلى اتهامات بأن شبكة “سي إن إن” لم تكن ترتكب أخطاءً فحسب، بل كانت تشارك في حملة منهجية لتقويض ترامب.

دفاع شبكة “سي إن إن”

دافعت شبكة “سي إن إن” عن تغطيتها لترامب، مشيرة إلى أنها كانت تستند إلى الإجراءات المهمّة وغير المسبوقة في كثيرٍ من الأحيان لإدارته.

مِن محاكمة ترامب إلى تعامله مع التوترات العِرقية وأعمال الشغب في الكابيتول في 6 يناير، زعمت شبكة “سي إن إن” أن تغطيتها الانتقادية كانت نتيجة لسلوك ترامب، وليس استراتيجية متعمّدة لخداع المشاهدين.

تعترف الشبكة بأنه في عالم الأخبار السّريع، يمكن أن تحدُث أخطاء، لكنها أكدت باستمرار أنها تعمل بنزاهة صحفية، وأنها تُصدِر التصحيحات عند الضرورة، وتزعم الشبكة أن دورها كمنفذ إخباري هو محاسبة جميع الشخصيات العامة، بما في ذلك الرئيس.

وبالنسبة إلى مؤيدي ترامب، كانت تغطية “سي إن إن” دليلا على مشهد إعلامي متحيّز، يهدف إلى إبعاده عن السلطة.

واكتسبت الرواية القائلة بأن “سي إن إن” كانت تستخدم استراتيجية “استمر في الكذب حتّى يصدّقوك” زخما في وسائل الإعلام الجمهوري، وأصبحت نقطة صدام لقاعدة ترامب، مما أدى إلى تعميق عدم الثقة في الأخبار السائدة.

ومع ذلك، يُشير محللو وسائل الإعلام إلى أن الكثير مِن التقارير عن ترامب، لم تكن ملفقة أو كاذبة عمدا، بل كانت نتيجة لتركيز دورة الأخبار على الطبيعة المضطربة لرئاسته.

يظلّ الادّعاء بأن “سي إن إن” استخدمت استراتيجية “استمِر في الكذب حتى يصدقوك” مسألة خطيرة، بالنسبة إلى مؤيدي ترامب، معتبرين أن التغطية الانتقادية، التي قدّمتها الشبكة للرئيس السابق، جزء من محاولة أوسع نطاقا لتقويض رئاسته.

وبالنسبة إلى شبكة “سي إن إن” ومدافعيها، كانت الشبكة تؤدي واجبها كمؤسسة إخبارية، من خلال نشر الأحداث المهمّة والقضايا الجدلية التي دارت أثناء فترة تولي ترامب لمنصبه.

وقد أعاد الصراع بين ترامب و”سي إن إن” من جديد تشكيل مشهد الصحافة السياسية، مما أدى إلى تعزيز الانقسام العميق في ثقة الجمهور بوسائل الإعلام بشكل عام.

ومع استمرار الولايات المتحدة في التعامل مع قضايا التحيز الإعلامي والمصداقية في التقارير الإخبارية، فمن المرجّح أن تكون لنتائج هذه العلاقة المثيرة للجدل تأثيرات دائمة على كيفية استهلاك الأخبار وتفسيرها في المستقبل القريب.

المصدر: صحيفة الوئام السعودية

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *