أصبح التوصل لاتفاق عالمي قد يغير مسار سوق أرصدة الكربون أقرب من أي وقت مضى، بحسب “بنك أوف أميركا”، في وقت أشار أبيد كارمالي، المدير الإداري في وحدة استشارات النشاط البيئي في البنك، إلى أنه “ربما اقتربنا من رؤية تقدم كبير”.
يعد كارمالي من بين كبار المصرفيين المتخصصين بتداول الكربون الذين سيراقبون المحادثات التي سُتجرى هذا الشهر في أذربيجان، حيث ستقام قمة المناخ “كوب 29”. وهناك ستسعى الوفود إلى التوصل لاتفاق يتيح للدول تداول تخفيضات الكربون مع دول وشركات أخرى، بمقتضى إطار عمل يُعرف باسم “المادة 6.4” (من اتفاقية باريس). ووصف كارمالي سوق أرصدة الكربون بأنها “سوق بالغة الأهمية”.
فيما ستوفر “المادة 6.4” بديلاً لما يطلق عليها اسم “سوق الكربون البديلة”، التي أشار كارمالي إلى أن “بنك أوف أميركا” يتعامل معها بدرجة من الحذر نظراً لنقص السيولة بها.
نقص السيولة في سوق الكربون الطوعية
هبط حجم سوق الكربون الطوعية، التي تشتري شركات مثل “فولكس واجن” و”تلسترا غروب” (Telstra Group) و”توتال إنرجيز” عبرها أرصدة لتعويض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون، بأكثر من 20% ليبلغ مليار دولار فقط، بحسب شركة “إم إس سي آي” (MSCI)، بعد سلسلة من التحقيقات زعمت انتشار الغسل الأخضر.
ولفت كارمالي إلى أن المحصلة النهائية حالياً هي “عدم وجود سيولة كافية. حيث هبط حجم القطاع بشكل كبير خلال العامين الماضيين، وكان الوضع في غاية السوء للمشاركين فيه بدرجة مباشرة أكبر”.
في الوقت نفسه، أشارت ليلى خنفر، الباحثة المشاركة في “بلومبرغ إن إي إف”، إلى أن التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن “المادة 6.4” “قد يؤدي إلى توحيد مقاييس العرض وزيادة السيولة على مستوى العالم بسوق الكربون العالمية، ما يمثل خطوات مهمة نحو إنشاء سوق أرصدة كربون تتوقع (بلومبرغ إن إي إف) أن تتجاوز قيمتها تريليون دولار بحلول 2050”.
رأي “بلومبرغ إن إي إف”:
“عزز وضع معايير جديدة لأرصدة الكربون الجهود المبذولة لتطبيق آلية عالمية لتداول الكربون تشرف عليها الأمم المتحدة. لكن الإرشادات الجديدة تبدو أنها نسخة أقل حزماً من الحالية. وحتى في حالة الموافقة عليها في قمة المناخ العالمية التي ستقام في نوفمبر، فما يزال الطريق طويلاً أمام تنفيذ آلية اقتُرحت لأول مرة في (المادة 6.4) من اتفاقية باريس لعام 2015”.
ليلى خنفر
الضبابية تكتنف آليات العرض والطلب
يفترض أن يمثل حجم أرصدة الكربون طناً مترياً واحداً من الانبعاثات التي تم تجنبها، أو خفضها، أو احتجازها من الهواء، ما يمكن تحقيقه عبر الاستثمار في مشروعات بمجالات مثل إعادة التشجير. وسيسعى مالكو المشروعات لبيع الأرصدة قبل إنشائها في معظم الأوقات، باعتبار ذلك وسيلة للحصول على التمويل لسداد تكاليف، مثل نفقات زرع الأشجار.
أشار كارمالي إلى أن “بنك أوف أميركا”، بصفته من وضع نموذج التمويل، يتجنب المشاركة في سوق الكربون الطوعية، وأرجع ذلك إلى عدم وجود الوضوح اللازم فيما يخص آليات العرض والطلب، أو حتى طريقة قياس القيمة السوقية الحقيقية لهذه الأرصدة.
ومثل شركات “وول ستريت” الكبرى الأخرى، يحرص “بنك أوف أميركا” على نقطة ارتكاز في السوق الأوسع نطاقاً لمنتجات تحول الطاقة، وأشار المدير العالمي لتجارة السلع الأولية، جورج كولترارو، في وقت سابق من العام الجاري إلى أن البنك يعزز حضوره في سوقي الغاز والكهرباء، وتجارة المنتجات البيئية أيضاً، تجاوباً مع طلب العملاء.
لا يزال “بنك أوف أميركا” يسعى إلى ضم أرصدة الكربون المشتراة في السوق الثانوية إلى “محفظة الحلول” الشاملة للعملاء، بحسب كارمالي، فيما يدرس البنك هياكل تمويل مطوري مشروعات أرصدة الكربون.
مساعٍ أميركية لاستعادة الثقة
تُبذل جهود على أعلى مستوى خلال الفترة الحالية، بهدف التصدي للمخاطر المرتبطة بتداول أرصدة الكربون في سوق الكربون الطوعية، ومن بينها الإرشادات الأميركية الجديدة الرامية إلى استعادة الثقة في السوق، التي وصفتها وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، بأنها قد تشكل “حليفاً قوياً” ضد تغير المناخ حال تنفيذها بشكل صحيح.
أصدرت لجنة تداول السلع الآجلة في الولايات المتحدة في سبتمبر الماضي إرشادات بشأن عقود مشتقات أرصدة الكربون، كما وجهت في الآونة الأخيرة تهماً إلى كين نيوكومب، الرئيس التنفيذي السابق لشركة تطوير مشروع أرصدة كربون، بزعم تقديم معلومات زائفة.
وأشارت اللجنة إلى أن ذلك الإجراء يوضح التزامها بمكافحة الاحتيال في سوق الكربون الطوعية بشكل حازم. وفي غضون ذلك، يعمل “مجلس النزاهة لسوق الكربون الطوعية”، وهي هيئة معايير تركز على القطاع، على تحديد أي من الأرصدة يمكن أن يكون جديراً بحمل شعار جودته.
تحدى توظيف التمويل
رغم كل هذه الجهود، تواصل الشركات انسحابها خشية التورط في فضائح الغسل الأخضر. وقال كارمالي، الذي تحدث خلال قمة التنوع البيولوجي “كوب 16” التي أقيمت في كولومبيا، إن توظيف التمويل للعديد من الموضوعات التي تجرى مناقشتها في القمة التي تقام كل عامين ما يزال يمثل تحدياً.
ينطبق ذلك أيضاً على الجهود الرامية على الترويج لما يطلق عليه “أرصدة التنوع البيولوجي”، التي تتشابه مع أرصدة الكربون. فبدلاً من أن تعوض الشركات بصمتها الكربونية، تستخدم أرصدة التنوع البيولوجي في التعويض عن أنشطة مثل البناء الذي يدمر البيئة الطبيعية، أو لتقديم مساهمة طوعية في مشروعات صون البيئة أو تجديدها.
وأضاف كارمالي: “التمويل المبتكر دائماً ما يجذب اهتماماً كبيراً بينما يحاول الناس فهمه. وجهة نظري الشخصية أن الوقت لم يحن بعد لتحديد المسار في المستقبل، ولا أعده نوعاً من الأسواق الثانوية”.
المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق