سعيد بن سالم البادي
اختصَّ الله سبحانه وتعالى الإنسان العُماني ببعص الخصائص والقيم التي قلّما توجد في مجتمعات أخرى؛ وهي خصائص وقيم ساهمت في تكوين وضبط الشخصية العُمانية، وجعلت أبناءها يتصرفون فيما بينهم وبين الآخرين بأسلوب فريد قلَّ ما يوجد في أيِّ مُجتمع آخر وقد استطاعوا أن يُحافظوا على هذه الخصائص والقيم قروناً من الزمن وعضُّوا عليها بالنواجذ لتبقى إرثهم الشرعي وملكهم الخاص بلا منازع ورأس مالهم الثمين الذي يتفردون به بين سائر الأمم ليظلوا مصدر تعليم هذه الخصائص والقيم للآخرين دون غيرهم.
ومما يتفرَّد به الإنسان العُماني من الخصائص والقيم النبيلة، خاصية الاعتدال في كل شيء؛ فالإنسان العُماني مُعتدل في حديثه، فإذا تحدث فالكلام واضحاً جلّياً لا غموض فيه ولا ضجيج ولا صخب يُعكّر مسامع السامع، ومعتدل في مشيه فإذا مشى موزون الخطي لا بمتعجل ولا متبختر متكبر، يمشي والتواضع كسوته والهيبة تاجه وسلاحه يهابه من استقبله ويعزه ويبجله ويطمح لعودة لقائه من ودعه، معتدل في لبسه إذا لبس لكنه أنيق في مظهره وشخصه، معتدل في ابتسامته إذا ابتسم لا متقهقه بطرًا في فرح ولا عبوس ملولو في ترح، معتدل في جده إذا جد ومعتدل في هزله إذا هزل، يحكمه الاعتدال في صداقته وفي خصومته، فكل سمات الهيبة والجلال تحصن ذلك الإنسان الهادئ في المظهر اليقظ في المخبر.
وهناك من يتساءل عن سبب هذا الاعتدال في كافة مكونات وعناصر حياة الإنسان العُماني سواء كانت الحياة الخاصة أو العامة في أي زمان ومكان كان.
وللإجابة على هذا التساؤل وسر اعتدال الإنسان العُماني في كافة تصرفاته وسلوكياته؛ سواء في علاقته مع أفراد مجتمعه أو في علاقته مع الآخرين من خارج المجتمع العُماني، لا بُد أن نعرف أن الإنسان العُماني يملك خاصية وقيمة مهمة في حياة الإنسان، ألا وهي خاصية الهدوء؛ فهي الخاصية التي تجعل الإنسان يستطيع أن يلاحظ ويفكر ويُقدر ويُقرر ويُنفذ أو يتكلم بعد أن يبني قراره على قناعة تامة متأنية لا يشوبها الاستعجال والتهور المبني على العاطفة الآنية والعابرة وبعد ذلك يخرج بقراره الوسطي المُتزن للعلن.
ومن العوامل التي تساعد على التفكير السليم لتكوين القرار وصياغته وخروجه في قالبه الحكيم عامل أيضًا تفرد بها الإنسان العُماني وتربى عليه وتغذت عليه جذوره المتجذرة في خصب القيم المستمدة من أصله الضارب في أعماق التاريخ، ألا وهو عامل الهدوء؛ وهي خاصية ترعرع بين أحضانها ولهج من ينابيعها منذ نعومة أظافره فغذته أسرته ومحيطه بالهدوء والتأني، وحرصوا على تنشأته تنشأة هادئة مستقرة مع عدم إغفال جرعات الرجولة وصلابة العود والشخصية، والتي هي من أهم العوامل والخصائص في حياة البشرية، فالعُماني هادئ الطبع في كل شيء فهو هاديء في كل جوانب حياته وسلوكياته وحركاته وسكناته لكنه كما أسلفنا يقظ في سريرته نشط في لبه وتفكيره حذق في تصرفاته وسلوكياته وهذه عوامل أساسية من وجهة نظري تساعد على التفكير السليم لاتخاذ القرار السليم في ظروف بيئية هادئة كون الإنسان حينما يتموضع في وسط هاديء يستطيع أن يفكر ويتخذ قرارا ناضجا مبنيا على استنتاجات عقلية، تمت بلورت أركان هذا القرار وقواعده على مُعطيان وبيانات سليمة مؤكدة بصورة أحاطت بكافة جوانبه بعيدًا عن نزوات العاطفة وتشنجاتها وهذا ما ميَّز الإنسان العُماني عن غيره من سائر البشر في كافة قراراته المتعلقة بعلاقاته الداخلية والخارجية.
حينما سطع نور حكمة واعتدال الإنسان العُماني والاطمئنان إلى نظرة بصيرته قبل بصره للأحداث كملاذ أخير لحل سائر عقد الحياة ومعضلاتها المستعصي حلها على الجميع تم الرجوع إلى نور حكمة واعتدال الإنسان العُماني للاستضاءة بضياء هدوئه وميزان عدله.
وقد تدخل الهدوء العُماني في بعض القضايا العالمية الشائكة والمستعصية على أكبر خبراء العالم فوجدوا لها الحل العادل والمرضي لمن يبحث عن العدل كالقضية القائمة بين إيران من جانب والولايات الأمريكية والدول الأوربية من جانب آخر. كما حلت الدبلوماسية العُمانية كثيرًا من الملفات المستعصية على مر التاريخ المعاصر بفضل ما يتمتع به سلاطين ورجالات هذه البلاد من حكمة ثاقبة وآراء صائبة بسبب التفكير الهاديء والنظرة المتأنية والرغبة الصادقة والنيات المخلصة التي تمارس في بيئة هادئة بعيدة عن ضجيج المأثرات الجانبية.
إلّا أنه في الآونة الأخيرة وللأسف الشديد برزت بعض السلوكيات الدخيلة التي يمكن أن تهدد أساس هذه الصفة والقيمة المهمة قيمة الهدوء التي المفترض أن نستمر في صونها والحفاظ عليها ونذود عنها بكل غالٍ ونفيس لما تغمرنا به من فوائد ونتائج في غاية الأهمية فقيمة الهدوء والسكينة تحافظ على بيئتنا نظيفة من التلوثات السمعية والبصرية والصحية.
ومن تلك السلوكيات المؤثرة على قيمة الهدوء، سلوكيات دخيلة على المجتمع العُماني سأكتب عنها في مقال مُقبِل.
إنَّ رسالتي لأبناء هذا الوطن العزيز المحافظة على تلك الخصيصة والميزة القيّمة والتمسك بها وعلى كل أبٍ ومُربٍ ومعلمٍ أن يحث من تحت مسؤوليته على قيمة الهدوء ليهنأ مجتمعنا بالصفات والقيم والسلوكيات التي تحفظ له تميزه في كل جوانب الحياة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية