المقاومة مُستمرة.. وستنتصر

المقاومة مُستمرة.. وستنتصر

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

إذا كان التاريخ يُعيد نفسه مرتين، في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كمهزلة، فإنَّ التاريخ العربي يُعيد نفسه مئات المرات كمأساة ومهزلة معًا، غير أن هذه الصورة السلبية العامة لا تخلو من ومضات مشرقة، ولا يجوز أن تغيب عن الأذهان، وأن ذلك لا يُغني عن أهمية بحث أسباب الأزمة البُنيوية التي تُعيد إنتاج المآسي والمهازل بمظاهرها وتجلياتها، وسيكون فحص التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والوقوف بشكل محدد على طبيعة وتكوين القوى المتحكمة بزمام القرار السياسي وارتباطاتها الأجنبية هي الخطوة الأولى.

في حين أن نشر الوعي الثوري المضاد لنهج الاستسلام والتمسك بالمقاومة بكافة أشكالها كخيار استراتيجي ورفض التسليم بهزيمة الأمة العربية، وهو ما يُراد تكريسه من أجل قتل الروح المعنوية وبث اليأس والإحباط في صفوف الجماهير، بمثابة الخطوة الثانية. وهذه الأخيرة بالذات، تستدعي سؤالين محددين؛ الأول: متى قاتلت الأمة العربية؟! وأين هُزِمت؟ والسؤال الثاني: لماذا لم تُقاتل بشكل جماعي، ولم تُعبِّئ طاقاتها ضد عدوها التاريخي؟

وفي غمرة الغليان الشعبي وجلد الذات على خلفية حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني وامتداها نحو لبنان والقوى المساندة لنضاله العادل والمشروع، وفي إطار ارتفاع نغمة طمس التضحيات العربية، سنحاول التوقف عند بعض الحقائق التاريخية التي تنتصر لنضال الأمة العربية؛ سواءً من خلال الجيوش العربية الرسمية، كما حصل في حروب 1948 و1956 و1967 و1973، أو من خلال المقاومة الشعبية التي مثَّلت ذروتها الثورة الفلسطينية المعاصرة بعد 1967، والمقاومة الوطنية اللبنانية بعد اجتياح بيروت سنة 1982، مرورًا بالانتفاضة الفلسطينية سنة 1987 وما تلاها، وصولًا إلى المقاومة الإسلامية الحالية بتلاوينها المختلفة، والتي يمثل “حزب الله” نموذجها الأبرز.

إنَّه بمجرد استرجاع تلك المراحل، يتضح لنا أن المقاومة كانت على الدوام مُستمرة، غير أنها كانت وما تزال بجزء من الجماهير العربية، وبجزء من الإمكانات المادية السياسية والعسكرية. وهذا ينقلنا للسؤال الثاني وهو: لماذا لم تُقاتل الأمة العربية بشكل جماعي ضد عدوها التاريخي؟ الأمر الذي لا يتطرق إليه الشك أن فريقًا فاعلًا في الأمة العربية ارتبطت مصالحه ووجوده بالوجود الاستعماري، وكان وما يزال من حيث المبدأ ضد كل قوى التحرر الوطني في المنطقة والعالم، بصرف النظر عن بُعدها الآيديولوجي، وقد خاض- تاريخيًا- معارك على كافة الصعد الإعلامية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، لمصلحة الإمبريالية والصهيونية العالمية، وفي كل محطة نضالية يُسخِّر إمكانياته لخدمة الطرف النقيض لمصالح الأمة العربية العليا، وحقها في التحرُّر من السيطرة الاستعمارية والاحتلال الصهيوني، وذلك بافتعال الخلافات للقضاء على نهج التصدي للمشروعين الإمبريالي والصهيوني، فكرًا وممارسةً.

وقد استقر كأداة من أدوات الإمبريالية؛ حيث أدى دورًا بارزًا في تمرير أجندتها الاستراتيجية وحرف بوصلة الصراع عن مجراها الطبيعي. وإذا كان التشكيك في دوافع بعض القوى الداعمة للمقاومة ووضعها في خانة الصراعات المذهبية والطائفية العبثية يمثل مُرتكزَها الجوهري في هذه المرحلة، فمن المفيد التذكير بأنَّ المقاومة العربية ليست وليدة اللحظة الراهنة، وقد تعاقبت على قيادتها قوى سياسية ذات طابع قومي ويساري، بينما ظلت تلك القوى الرجعية المُتحالفة مع القوى الاستعمارية على مواقفها الثابتة! وهذا يدحض الادعاءات التي تتذرع بها، والحجج التي تسوغها في تبرير تخاذلها.

وأمام هذه الحقائق يتجدد السؤال التاريخي: ما العمل؟ وكيف الخروج من هذا المأزق القاتل؟

لن تكون الإجابة بتلك البساطة، بَيْدَ أن بعض التجارب الثورية التحررية الناجحة تقدم جزءًا من الجواب؛ حيث تؤكد أهمية تغليب التناقضات الرئيسية على التناقضات الثانوية- مهما كان حجمها- لجهة حشد كافة الطاقات لمصلحة الهدف الاستراتيجي، وعدم إغراق الحاضنة الشعبية بمعارك جانبية، ريثما تنجلي الغيوم الفكرية والسياسية وتتضح أبعاد المواقف أمام القطاع الجماهيري العريض، الذي سيبقى على ثوابته من الغزوة الصهيونية. وإذا كان معظم النظم العربية الرسمية لم يعد التناقص معها تناقضًا ثانويًا، فإنَّ الدخول في مواجهتها في أتون الصراع العنفي، يعني في العمق تقديم خدمة مجانية للقوى الإمبريالية والصهيونية، والانسياق خلف مخططاتها الجهنمية. غير أن تفجير أوضاعها الداخلية دون الانجرار إلى المحظورات الوطنية والقومية، مسألة معقدة ومركبة، وربما السبيل الوحيد والأقرب للواقعية يتمثل في التركيز على العدو الصهيوني، ووضعها أمام الخيارات الصعبة، وبطبيعة الحال فإنَّ تحالفها العلني والسافر مع الإمبريالية والصهيونية، سيُفقدها- مع اشتداد المواجهة- ثلاثة أرباع قوتها ومشروعيتها على الأقل؟ ولعل هذا ما أشار إليه الدكتور جورج حبش أحد أبرز الرموز الثورية العربية في القرن العشرين، عندما قال إن مواجهة العدو الصهيوني هو الطريق المختصر لصهر جزء كبير من التناقضات العربية في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *