زكريا الحسني
للكلمة الطيبة تأثير عميق على الإنسان، إنها تجعل كيانه يُشرق فتضيء فيه آية إلهية تتمثل في المودة وتفجر فيه حالة من الرحمة وتدفعه إلى مزيد من الإحسان.
تحدث الله تعالى عن الكلمة الطيبة وتأثيرها السحري فقال تعالى في سورة إبراهيم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)﴾.
وفي بعض الأحاديث الشريفة عن الرسول عليه الصلاة والسلام: “الكلمة الطيبة صدقة”، و “إن الرجل ليتكلم بالكلمة -من رضوان الله تعالى-، يرقى بها إلى أعلى عليين، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة -من سخط الله تعالى-، يهوي بها إلى أسفل سافلين”. ويقول تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا“.
من هنا تأتي أهمية فن اختيار الكلمات، يقول الروائي الآيرلندي جورج برنارد شو: “عندما تقول (نصف المجتمع سيئ) سيسخط الجميع، بينما لو قلت (نصف المجتمع جيد) سيحتفون بك، مع أن العبارتين بمعنى واحد”.
أليس هذا مؤشرا على أنَّ الإيجابية الإنسانية تقتفي أثر الكلمة الطيبة؟
تأملوا معي قليلا!
بعض الأبحاث في الطاقة وتأثيرها على الإنسان تقول بأننا لو غضضنا النظر عن تأثير الكلمة الطيبة على روح الإنسان، وتناولنا بعدهُ المادي المكون من جزيئات، فإنَّ هذه الجزئيات أيضًا تتأثر بالكلمة الطيبة لأنَّ الأمر يتجاوز كون الصوت اهتزازا ميكانيكيا فحسب، فهو يحوي نغمة لها تأثير على جزيئات الإنسان، تعمل على إظهار تأثير مختلف وفق شدة الاهتزاز ونمط النغمة، ومن الطبيعي أن تكون الكلمة الطيبة حاوية على نغمة تتسم باللطف، فتخلق في الجزيئات حالة لطيفة تناسبها وتتسق معها.
المؤثرون التحفيزيون يستندون في تحفيزهم على مبدأ “الكلمات الطيبة” المؤثرة في الإنسان إيجابيا، وعلى مبدأ “النغمة الرنانة المتسمة باللطف” وتحوي موسيقا مؤثرة تدفع الإنسان إلى اكتشاف قدرته فتبعثه من الخمول إلى النشاط ومن اليأس إلى الأمل.
وبالمقابل، فإذا كانت كلمة طيبة، فسيكون تأثيرها طيبا، وإن كانت خبيثة، فمن المتوقع أنه سيكون تأثيرها خبيثا، فلذلك ليتنا جميعا نعيد ترتيب أولياتنا اللفظية باعتماد قاموس للكلام مليء بالكلمات اللطيفة الطيبة لتنبت في أرض المتلقي المستمع شجرا، وفي قلبه زهرا، وإلا فإنَّ من الكلام ما يكون أصلب من الحجر، وأمر من الصبر، وأحر من الجمر.
الخطوة الأولى في هذا المضمار تبدأ من المنزل، فدور الأسرة هو أول أدوار تعليم الطفل فن انتخاب الكلمات الصحيحة في التعبير عن مشاعره ورغباته. لا شك أننا مررنا على قصة المخترع الكبير أديسون وتأثير الكلمات الطيبة في صناعة مستقبله الذي نفع البشرية جمعاء، ولا يمنع أن نعيد قراءتها لما لها من تأثير كبير على نفسياتنا.
توماس أديسون ذلك المخترع العظيم، والذي بلغ عدد اختراعاته زهاء 1300 اختراع، عندما رأى ذات يوم والدته تقرأ رسالة ودموعها تنحدر، فسألها ماذا ألَّم بها فكان جوابها بأنهم في المدرسة يعتقدون بأن مستوى العبقرية لديك يا توماس أوسع من أن تستوعبها صفوف مدرستهم، لذا عليَّ أن أرعاك بشكل شخصي كما يقترحون، ابتسم لها، وقبل بالأمر، فأخذت أمه ترعاه وتعلمه وتضع بين يديه خبراتها، وعندما أصبح مخرعا ذائع الصيت، وبعد وفاة والدته، وقع في يده تلك الرسالة التي ذات يوم رأى أمه تبكي وهي تقرأها، فأخذ يقرأها ليجد أنها تقول: “نحيطك علما بأن ابنك هذا بليد جدًا ولا توجد رغبة في ادارة المدرسة في أن يواصل تعليمه معنا، لذا ندعوك إلى الاهتمام الشخصي به”، عندها بكى أديسون، وتساءل: تُرى ماذا كان بالإمكان أن يحدث لي ولمعنوياتي لو أن أمي قرأت النص كما هو ولم تنتخب كلمات أرقى لتخبرني بالموضوع؟
إنَّه فن انتقاء الكلمات، والارتقاء بسامعها، فهو من أهم عوامل النجاح، تُرى ما الذي يمنعنا من ذلك؟ هذا نبينا عليه الصلاة والسلام يقول: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية