سلطان بن ناصر القاسمي
الزواج هو من أعظم سنن الحياة التي تجمع بين اثنين على أسس من المودة والرحمة، وهو أيضًا الطريق الذي رسمه الله تعالى لعباده لعيش حياة مليئة بالطمأنينة. وقد وصفه ديننا الحنيف بأنه تكملة لنصف الدين، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي”.
هذه الوصية النبوية تُبَيِّنُ أهمية الزواج في الإسلام، ليس فقط كوسيلة لتلبية حاجات الإنسان العاطفية والجسدية، ولكن أيضًا كركيزة لبناء مجتمع صالح يقوم على الالتزام بتعاليم الدين والأخلاق الفاضلة.
من هنا، يأتي دور المسلم في البحث عن شريك الحياة المناسب، ويضع نصب عينيه معايير أساسية تناولها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: “تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”. وبهذا التوجيه النبوي، وضع الإسلام الأولوية للديانة الصالحة، لأن المرأة الصالحة التي تخاف الله وتتبع تعاليمه هي من تكون شريكًا أمينًا، تصون الزوج وترعى البيت وتربي الأبناء على الأخلاق الحميدة. ويُضاف إلى الدين الاعتبار للعائلة والنسب والشرف، حيث يتمتع الأبناء بتوارث هذه القيم من آبائهم وأمهاتهم، بما يعزز انتماءهم وهويتهم ويقوي صلاتهم الاجتماعية.
ويجب على الشاب عند اختياره لشريكة الحياة أن يسعى لتكامل القيم بينهما، حيث إن الزوجة الصالحة تسهم في بناء أسرة متكاملة، ترتكز على الاحترام المتبادل والتعاون. فالمرأة الصالحة هي التي تجعل من بيتها بيئة محفزة للخير والطاعة، تربي أولادها على قيم العفة، وترشدهم للاحترام، وتساهم مع زوجها في تحقيق التوازن العاطفي والروحي داخل الأسرة. إنها الزوجة التي تشارك زوجها في بناء الحياة، تقف إلى جانبه في أوقات الفرح والشدة، تقدم الدعم، وتحرص على إسعاده ورفعة شأنه، وتكون أمينة على أسرار بيتها، ومربية لأولادها على الفضائل والإحسان.
وفي ضوء ذلك، ينشأ تساؤل عن ماهية الزواج؛ هل هو نصيب أم اختيار؟ إن الإسلام يمنح الإنسان حرية الاختيار، ويحثه على إعمال العقل، إذ يبدأ الأمر بالبحث والتأني في القرار، لأن الاختيار الواعي يثمر سعادة دنيوية وراحة نفسية. تأتي بعد ذلك مسألة “النصيب”، وهي التي تعني توفيق الله لعبده بما قد كُتب له. فالزواج إذن يتداخل فيه الاختيار بالنصيب، حيث يختار المسلم الزوجة التي تحقق له سعادته الدينية والدنيوية، ثم يرضى بما قسمه الله له، سعيًا للبركة في حياته الزوجية. وقد نرى في حياة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مثالاً جليًا على هذا، حيث اختار السيدة خديجة رضي الله عنها رغم فارق العمر بينهما، إذ كانت صاحبة نسب ومال وعقل راجح، وقد أثبتت الحياة أنها كانت نعم الشريكة والداعمة لرسالة النبي ومشروعه الدعوي.
لكن، إذا نظرنا إلى واقعنا الحالي، نجد أن الزواج لم يعد يسير بنفس السهولة، بل أضحت بعض العوامل العصرية تعوقه، مما يدفع الكثير من الشباب إلى العزوف عنه. فارتفاع المهور والمبالغة في متطلبات الزواج جعلت من الصعب على الشباب تحقيق هذه الخطوة. كما أن الانفتاح الكبير والتغيرات الاجتماعية باتت تؤثر في نظرتهم إلى الزواج، إذ يرى البعض أن الزواج عبء ثقيل بسبب الأعباء الاقتصادية المتزايدة. وفي الوقت نفسه، يؤثر تراجع الحياء وانتشار التبرج بشكل كبير على الشاب الذي يبحث عن فتاة ملتزمة وملتزمة بالأخلاق الإسلامية. إننا نرى فتيات كثيرات يتميزن بالعفاف والالتزام، لكن ضجيج وسائل التواصل وتضخيم مظاهر الحياة المادية باتت تلقي بظلالها على نظرة البعض للزواج.
لذلك، يجب على الشاب الذي ينوي الزواج أن يدرك أنه قادر، بتوجيهه وحكمته، على إنشاء بيئة أسرية صحية ومستقرة، وأن عليه أن يختار شريكته بعناية وفقًا للقيم الإسلامية الصحيحة، دون الالتفات إلى بعض الأنماط الشاذة التي تعكس ثقافات غير مناسبة. ولا يجب أن يغيب عن باله أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تعكس بالضرورة الواقع الحقيقي لكثير من الأسر، وأن ما نراه من نماذج غير سوية قد تكون حالات شاذة خارجة عن السلوك المعتاد، وأن الحل يكمن في التركيز على بناء أسرة تتبع القيم الأخلاقية وتعمل على تحقيق الاستقرار النفسي لأفرادها.
وإلى الفتيات، أوجه رسالة صادقة؛ لتعلم كل فتاة أن التقوى وحسن التربية هما زادها الحقيقي في الحياة. على الفتاة أن تدرك أن نصائح والديها نابعة من حب وخوف عليها، خاصة في هذا الزمن الذي تكثر فيه المغريات. إن حب الأب لابنته يدفعه إلى توجيهها نحو الصواب، حتى وإن بدا ذلك قسوة أو تقييدًا، إلا أن الحقيقة هي أن الأب هو أكثر من يخشى عليها من الزلل. فلا ينبغي للفتاة أن تفسر حرص والدها على مظهرها وخلقها كنوع من التضييق، بل أن تنظر إليه كعناية وحرص منه على سعادتها وحمايتها. كما أن المرأة الحكيمة تستمع إلى نصائح من حولها، وترى في إرشادات والديها دعائمًا تساعدها على بناء شخصيتها بشكل أفضل.
أما إلى الشباب، فتقوى الله في دينهم وأسرهم هي السبيل لضمان حياة كريمة ومليئة بالحب والسعادة. فكل أب وأم يحلمان برؤية أبنائهما وقد وفقهم الله في تكوين أسر صالحة، وهي من أعظم الفرحة التي قد تشعر بها العائلة. على الشاب أن يسعى للاقتران بزوجة صالحة، تساهم في بناء هذه الحياة، وتعينه على تحقيق الطاعة وتوفير الدعم العاطفي والروحي. ولا يخفى أن الزواج يحقق مقصدًا شرعيًا عظيمًا، فهو مدعاة للنسل الطيب والإكثار من أفراد المجتمع الصالح، كما جاء في الحديث الشريف: “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة”؛ فالزواج يمنح الإنسان الطمأنينة والسكينة، ويتيح له الفرصة لتأسيس أسرة تكون رافدًا قويًا للأمة الإسلامية، وداعمًا للمجتمع.
وفي الختام.. يبقى الزواج عملية تجمع بين النصيب والاختيار. فعلى الشاب أن يسعى لاختيار شريكة حياته وفقًا للقيم الإسلامية، وبنظرة شاملة تتجاوز المظاهر السطحية. وكذلك على الفتاة أن تبحث عن الزوج الذي يصونها ويحترمها، وتكمل معه رحلة الحياة على أسس من المودة والرحمة. وعندما يجتمع الزوجان على طاعة الله، ويسعيان لتحقيق أهداف مشتركة، فإنهما يبنيان بيتًا صالحًا يكون لبنة قوية في بناء مجتمع إسلامي يقوم على الاحترام والتآزر.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية