الانتقام: الطريق السهل نحو ألم أكبر

الانتقام: الطريق السهل نحو ألم أكبر

سعود النداح

باحث دكتوراة في سياسات الرعاية الاجتماعية وإدارة المؤسسات، مستشار اجتماعي.

عندما نشعر بالخذلان أو الظلم، قد يبدو الانتقام هو الخيار الوحيد الذي يُطفئ نار الألم في قلوبنا، نميل إلى الاعتقاد بأن رد الإساءة بمثلها هو السبيل لاستعادة كرامتنا وإعادة التوازن إلى حياتنا، لكن الحقيقة القاسية هي أن الانتقام غالبًا ما يتركنا أسوأ مما كنا عليه، فنغرق في مشاعر الندم والفراغ.

الانتقام قد يُظهر لنا وهمًا بالسيطرة والنصر، ولكن في الحقيقة، هو مجرد حلقة أخرى في سلسلة الألم التي نبنيها بأنفسنا، بدلاً من أن نحرر أنفسنا من مشاعر الحزن والغضب، نزيد من تعقيد مشاعرنا ونظل مرتبطين بتلك اللحظة السلبية التي تسببت لنا في الألم، يصبح الانتقام كالنار التي تلتهم من يشعلها، يترك في نفوسنا بصمة دائمة من الحقد والضغينة.

الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: “وَلَا تَسْتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَاوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”، هذه الآية تدعونا إلى مقابلة الإساءة بالإحسان، وتشجعنا على تحويل العداء إلى صداقة من خلال التسامح والتعامل بالحسنى، إنها دعوة للتفكير العميق في كيفية ردود أفعالنا على الظلم، وكيف يمكننا السمو فوق مشاعر الانتقام.

الانتقام يغذّي مشاعر الكراهية ويؤجج النار في داخلنا، بدلاً من أن يمنحنا السلام الذي نبحث عنه، نعتقد أن سعادتنا ستكون في رؤية الآخر يعاني مثلما عانينا، ولكن الحقيقة هي أننا نصبح سجناء لتلك المشاعر السلبية ونحرم أنفسنا من فرصة الشفاء الحقيقي، ما نحتاجه بالفعل ليس الانتقام، بل التحرر من عبء الغضب والألم.

النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.” هذه الكلمات العميقة تذكرنا بأن القوة الحقيقية ليست في الانتقام أو رد الإساءة، بل في قدرتنا على التحكم في أنفسنا وتجاوز مشاعر الغضب بنبل وتسامح.

التحرر من رغبة الانتقام ليس بالأمر السهل، ولكنه الخيار الأذكى والأكثر حكمة لمن يسعى إلى السلام الداخلي، إنه القرار الذي يعيد لك قوتك، ويجعلك قادرًا على تحويل خذلانك إلى فرصة للنمو والتسامح، حين تتخلى عن الانتقام، فأنت تختار لنفسك الحرية من قيود الحقد والغضب، وتفتح الباب لحياة جديدة مليئة بالتسامح والسكينة.

في نهاية المطاف، الانتقام ليس انتصارًا على الآخرين بل هزيمة للذات، كلما سعيت للانتقام، كلما بقيت أسيرًا لألمك الماضي، القوة الحقيقية تكمن في قدرتك على تجاوز ما يجرحك، والانتقال نحو حياة بلا ضغائن، الله يرشدنا إلى طريق أفضل حين يقول: “ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ”، في اللحظة التي تدرك فيها أن الانتقام لا يجلب السلام، تكون قد اخترت الطريق نحو النمو والشفاء الحقيقي، وتذكر دائماً هذه المقولة “القوة في العطاء وليس في الأخذ”.

المصدر: صحيفة الوئام السعودية

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *