إنتاج الليثيوم بطيء وملوث.. هل هناك حل؟

إنتاج الليثيوم بطيء وملوث.. هل هناك حل؟

تواجه إمدادات الليثيوم، الذي يُعتبر عنصراً حيوياً للثورة في الطاقة الخضراء، خطر النقص في المستقبل. فعلى الرغم من أن فائضاً حديثاً في المعدن أدى إلى انخفاض الأسعار، يُتوقع أن ينمو الطلب عليه بمعدل يقارب تسعة أضعاف خلال 15 عاماً القادمة، إذا تحققت أهداف اتفاقية باريس للحد من الاحترار العالمي، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.

يمكن أن يستغرق استخراج الليثيوم من الصخور والمياه المالحة وقتاً طويلاً، وغالباً ما يتسبب في أضرار بيئية. من هنا تتزايد المساعي لتطوير أساليب إنتاج أكثر كفاءة وأقل ضرراً. أحد الابتكارات الواعدة في هذا الصدد هو تقنية “الاستخراج المباشر”، التي يمكن أن تقلص وقت استخراج المعدن من المحلول الملحي من فترة 18 شهراً إلى أيام أو حتى ساعات.

مع ذلك، تظل التقنية غير مؤكدة حيث تواجه تحديات تكنولوجية كبيرة يجب التغلب عليها قبل أن يتم اعتمادها على نطاق واسع. تم تسليط الضوء على أهميتها لمستقبل المعدن خلال الشهر الجاري، عندما أعلنت شركة التعدين العملاقة “ريو تينتو” (Rio Tinto Plc) عن صفقة استحواذ بقيمة 6.7 مليار دولار على شركة “أركاديوم ليثيوم” (Arcadium Lithium Plc) التي تطور تقنية الاستخراج المباشر في الأرجنتين.

لماذا يُعد الليثيوم مهماً؟

يعتبر الليثيوم عنصراً أساسياً في البطاريات التي تشغل السيارات الكهربائية وتخزن الطاقة المولدة من مزارع الرياح والألواح الشمسية. تضمن الكتلة المنخفضة ونصف القطر الصغير لذراته إمكانية شحن بطاريات الليثيوم-أيون بسرعة واستيعابها لكميات كبيرة من الكهرباء مقارنةً ببطاريات أخرى بالوزن نفسه. يعد هذا العامل حاسماً للسيارات الكهربائية، حيث إن السيارات الأخف وزناً تقطع مسافات أطول بشحنة واحدة.

الزيادة المتوقعة في الطلب على الليثيوم تزيد خطر حدوث اختناقات في الإمدادات مستقبلاً، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعاره وإبطاء التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية. لذلك، يجري استكشاف طرق استخراج أكثر كفاءة، من شأنها أن تفتح مصادر جديدة قابلة للتسويق التجاري لهذا المعدن.

ما هي الطرق التقليدية لإنتاج الليثيوم؟

يتسم المعدن بنعومة الملمس ولونه الفضي عندما يكون في صورته النقية، ويُستخرج إما من الصخور أو من البحيرات المالحة المنتشرة في المناطق الجبلية المرتفعة، خاصةً في أميركا اللاتينية وغرب الصين. ويحتاج إلى مزيد من المعالجة ليصبح على هيئة مسحوق ناعم، ككربونات أو هيدروكسيد الليثيوم، قبل إدخاله في البطاريات.

استخراج الليثيوم من الصخور يتطلب عدة مراحل من المعالجة لإزالة الشوائب، والوصول إلى المعدن. تشمل هذه المراحل تقنية تُعرف بالترشيح، حيث يُغمر الخام في حمض الكبريتيك لاستخراج الليثيوم، وتحويله إلى شكل ملحي.

أما الطريقة الثانية، فتتمثل في ضخ المحلول الملحي الموجود على سطح الأرض أو المستخرج من باطنها إلى سلسلة من الأحواض، حيث يزداد تركيز الليثيوم في المحلول مع تبخر الماء تحت أشعة الشمس. تحتاج هذه العملية إلى كميات كبيرة من المياه العذبة لمعالجة المادة الخام.

ما هي مشكلات تعدين الليثيوم؟

تستغرق هذه الطرق وقتاً طويلاً وتستهلك كميات كبيرة من الطاقة، ما يقلل من فعالية معظم احتياطيات الليثيوم تجارياً. علاوة على ذلك، غالباً ما تتسبب الأضرار البيئية الناجمة عن هذه العمليات في تشويه الصورة البيئية للسيارات الكهربائية.

يُفترض أن تساهم هذه الطرق في تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالمياً. ومع ذلك، يُعدّ تعدين السبودومين، وهو أحد المصادر الأساسية لليثيوم، عملية مكثفة للطاقة، وتعتمد في غالب الأحيان على الوقود الأحفوري الذي ينبعث منه الكربون، وهناك خطر تسرب حمض الكبريتيك إلى المياه المحلية، مما يهدد الحياة البرية.

بعد أن اقترحت شركة “ريو تينتو” إنشاء ما كان سيصبح أكبر منجم لليثيوم في أوروبا على الأراضي الزراعية في صربيا، توقّف المشروع بسبب خروج آلاف المحتجين إلى الشوارع، معربين عن قلقهم من مخاطر التلوث.

غالباً ما يُستخرج الليثيوم من المحلول الملحي في المناطق القاحلة، حيث يمكن لاستهلاك كميات كبيرة من المياه العذبة أن يكون كارثياً على الحياة البرية المحلية. رصد المسؤولون الصينيون هذا العام انتهاكات بيئية في مقاطعة جيانغشي الجنوبية الشرقية الغنية بالليثيوم، شملت تراكم ملوثات خطيرة، وتصريفاً غير قانوني لمياه الصرف، واستخداماً غير قانوني للمياه، ونقصاً في حماية الأراضي العشبية والسيطرة على استهلاك الطاقة. ورغم ذلك، لا تزال المنطقة مركزاً هاماً لإنتاج الليثيوم.

ما هي تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم؟

تعتمد هذه التقنية على أساليب جديدة لاستعادة الليثيوم من المحلول الملحي باستخدام معدات صناعية بدلاً من الانتظار الطويل لعملية التبخر البطيئة. تستخدم بعض الطرق المتبعة في هذه التقنية خرزات جاذبة للمعدن، بينما تستخدم طرق أخرى أغشية تقوم بتصفيته بشكل انتقائي. عملت الشركات الناشئة على تطوير التقنية لسنوات، إلا أنها نضجت حديثاً بما يكفي لتنافس الأساليب التقليدية.

يعتبر الرئيس التنفيذي لشركة “ريو” جاكوب ستوشولم التقنية “حلاً لتوفير المعدن الذي يحتاجه العالم”، مشيراً إلى أن هناك “رحلة تطور تقني ضخمة أمامنا”.

من يعمل على تطوير هذه التقنية؟

وفقاً لتقارير من شركة “بنشمارك مينيرال إنتليجنس” (Benchmark Mineral Intelligence)، كان هناك 13 مشروعاً قائماً لتقنية الاستخراج المباشر حتى يوليو الماضي. تستهدف شركة “إيراميت” (Eramet SA) بدء الإنتاج في مصنعها سنتيناريو في الأرجنتين في نوفمبر. 

كما تطور “ريو” التقنية في مشروعها لاستخراج الليثيوم في رينكون بالأرجنتين. وتساعد شركة “أركاديوم” في تطوير هذه التقنية بمزيج من الاستخراج المباشر والتبخر.

تشارك صناعات أخرى أيضاً في هذا المجال، بما في ذلك شركات النفط والغاز التي ترى أوجه تشابه بين تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم والتقنيات التي تستخدمها، مثل التكسير الهيدروليكي للصخور الزيتية.

استثمرت شركة “كوتش” (Koch, Inc) العملاقة في مجال الوقود والأسمدة في شركة “ستاندرد ليثيوم” (Standard Lithium Ltd)، التي تخطط لإقامة منشأة تجارية لتقنية الاستخراج المباشر بولاية أركنساس في أوائل عام 2025.

كيف تؤثر تقنية الاستخراج المباشر على أعمال الليثيوم؟

رغم التوسع الكبير في إنتاج المعدن في السنوات الأخيرة، إلا أن الليثيوم “لا يزال مهدداً بالنقص”، وفقاً لتقديرات “بلومبرغ إن إي إف”؛ بسبب الطلب المتزايد على البطاريات.

تتيح تقنية الاستخراح المباشر إمكانية الاستفادة من المحاليل المالحة ذات الجودة المنخفضة أو الموجودة في مناطق ذات معدلات تبخر منخفضة، مما يجعل الطرق التقليدية غير مجدية. يمكن أن تسهم هذه التقنية في توفير مصادر جديدة للإمدادات، مثل مياه الصرف من حقول النفط.

ربما يصبح تبني تقنية الاستخراج المباشر الوسيلة الوحيدة للوصول إلى بعض مصادر الليثيوم الهامة في المستقبل، مع توجه دول مثل بوليفيا وتشيلي للضغط على الشركات لاعتماد تقنية الاستخراج المباشر للحفاظ على موارد المياه العذبة.

يمكن أن تتيح تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم فتح مصادر جديدة للإمدادات في مناطق مختلفة، وهو ما قد يكون ذا أهمية خاصة في الوقت الذي أصبح فيه بناء مصادر محلية ومتنوعة للمعادن الأساسية أولوية سياسية متزايدة في الغرب.

مع ذلك، فإن التحديات التقنية تعني أن تقنية الاستخراج المباشر من غير المحتمل أن تحل محل الأساليب التقليدية بسرعة.

تشير تقديرات “بلومبرغ إن إي إف” إلى أن إنتاج الليثيوم عبر هذه التقنية سيرتفع من 140 ألف طن في عام 2024 ليصل إلى 526 ألف طن مكافئ من كربونات الليثيوم بحلول عام 2030. ووفقاً لشركة “بنشمارك مينيرال إنتليجنس”، ستمثل التقنية نسبة 15% من إجمالي إمدادات الليثيوم بحلول 2035.

لماذا تعد تقنية الاستخراج المباشر صعبة؟

لا تزال هناك حالة من عدم اليقين تحيط بتقنية الاستخراج المباشر. قد تكون معدلات استعادة الليثيوم منخفضة باستخدام هذه التقنية، في حين أن تكاليف رأس المال مرتفعة. يختلف تركيب المحلول الملحي من مصدر لآخر، وغالباً ما يتطلب ذلك تعديلات في عملية الاستخراج. يضيف ذلك التعقيد والتكلفة، نظراً لأن كل مشروع يعتمد على التقنية يحتاج إلى تعديلات محددة للموقع.

وفقاً لـ”بلومبرغ إن إي إف”، تستطيع معظم الشركات تحقيق معدلات استرداد لليثيوم تتجاوز 80% في مصانعها التجريبية بفضل بيئة العمل المدارة، إلا أن هذه النسب تنخفض عندما يتم توسيع المصانع إلى نطاق تجاري.

كما أن تقنيات الاستخراج المباشر تختلف في مستويات الاستدامة، حيث إن بعضها يستهلك المزيد من الطاقة أو المياه العذبة مقارنة بغيرها. خلال السنوات الثلاث الماضية، اتخذ بعض المستثمرين، الذين تشككوا في بعض الادعاءات بشأن هذه التقنية، رهانات قصيرة على أسهم شركات متوقعين تراجع قيمتها.

المصدر: صحيفة اقتصاد الشرق

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *